رئيس مجلس الإدارة
مدحت بركات
رئيس التحرير
محمد الشواف
ads

هانى عادل يكتب ... جيل جديد من الفرص

الثلاثاء 12/فبراير/2019 - 10:43 ص
ads
الإستدامة والتمويل | sustainability and funding
طباعة
ads
 


بأختلاف العصور تختلف رؤية المجتمع للعمل .. و تتميز فئة معينه في كل حقبة زمنية متأثرة برؤية المجتمع و اهتماماته ، و تزدهر قطاعات أقتصادية و أجتماعية بينما تذبل قطاعات اخرى ... وكل ذلك مدفوع بكلمة واحدة .. العمل.

فى الخمسينات من القرن الماضي كان الكل أما موظف عام أو تاجر ، حيث لم يكن للقطاع الخاص تواجد قوي أكثر من دكاكين التجار ، حينها كان العمل العام الحكومي يتربع على عرش فرص العمل، يفتخر رب الأسرة بأنه موظف عام على الدرجة الخامسه ، كان حينها الموظف العام هو المثل الأعلى لكل مواطن ، ولم يكن للمرأه دور فعال فى العمل المهني ، بالطبع كان لها تواجد الا أنه تواجد ضعيف هش لم يكن مؤثر على سير العمل و تطويرة في اى مكان. 

ومع السبعينيات حدثت نقله نوعية في ثقافة المجتمع ، بعد تطبيق سياسة الانفتاح الأقتصادي تغيرت رؤية المجتمع للعمل الحكومي ، وأصبح العمل الحر هو سيد الموقف ، و ظهرت شركات القطاع الخاص لتحمل معها فرص جديدة لأجيال جديده غير مهتمه بالعمل الحكومي العام. 

في التسعينيات كان بريق الوظيفة الحكومية قد انطفء تماما و مع دخول شركات أجنبية للسوق المصري تطورت رؤية المجتمع و ازدهر نوع جديد من الوظائف التى وفرتها الشركات الأجنبية لتنافس شركات القطاع الخاص المحلية. 

الآن نحن نشهد بداية مرحلة جديدة من تغيرات سوق العمل و بالتبعية تغيرات رؤية المجتمع له ... 

المجتمع الذي ظل شبابه لفترة كبيرة يسعى نحو الوظيفه و العمل الروتيني المستقر بدأ يعيد تغيير رؤيته نحو الوظائف و التوجه تدريجيا نحو العمل الحر ... 
التغير يحدث بالتدريج .. ولكنه تغير سريع ملموس ، لم تعد الوظيفة مغرية لجيل جديد من الشباب الراغب في تحقيق طفرات مالية في فترات وجيزة. 

الأمر عززه التطور التكنولوجي و الأنفتاح على مختلف ثقافات العالم من خلال شبكة الإنترنت و التى أصبحت جزء أصيل من الحياة المهنية و العملية في كل ارجاء المعمورة. 

ظهرت الشركات و المشروعات الصغيرة و المتوسطة و متناهية الصغر ، وبدأت تحقق نجاحات كبيرة ، وهو ما أحتضنته البنوك و دعمته و ساهمت في تمويله ، و انتعش ذلك القطاع الهام من المشروعات ليحمل مع انتعاشه الاف الفرص للشباب الزاهدين في الوظيفة و الراغبين في العمل الحر.  

ثم ظهرت الهواتف الذكية ، و أحدث ظهورها موجه جديده عالمية من الفرص ، تأخر وصول الموجه لمجتمعنا لظروف الثورات و لكنها وصلت و معها فكر جديد يتناسب بشدة مع تطلعات جيل جديد أتاح له ما لم يكن متاح لجيل ابائه و أجداده من قبل. 

الفرص الجديدة المشبعة بعبق التكنولوجيا تمثل توجه جديد يعيد تشكيل رؤية المجتمع فيما يتعلق بالعمل ، وأصبح هدف كل شاب من حديثي التخرج أن يصبح أحد "رواد الأعمال" ، و أصبح مصطلح "الشركات الناشئة Start-up " اكثر انتشارا ؛ وهو المصطلح المرتبط مباشرة بتقنيات التكنولوجيا المالية و تطبيقاتها. 

و الرائع أن ذلك النوع الجديد من الفرص قائم على الأبتكار و الأبداع ، أي ان نجاحك من عدمه يرتكز على ركيزة أساسية وهى جودة الحل التقني و قدرته على تغطية احتياجات السوق. 

عدة حلول و ابتكارات تكنولوجية ظهرت على الساحة في خلال أخر خمس سنوات ، مدعومه بفكر شبابي و رؤية تطورت مع تطور وسائل الأتصالات. 
طبعا لم يكن الطريق مفروش بالورود أمام الناجحين ، فالعديد من العقبات كانت و بعضها مازال مستمر مما شكل مجموعة من التحديات أمام أزدهار ذلك القطاع الوليد. 

في الحقيقه قد تأخر القطاع المصرفي في توفير الحلول التمويلية اللازمه لدعم ذلك القطاع الجديد من الأعمال ، ورغم سرعة تنامي أعمال ذلك القطاع سواء محليا او عالميا الا أن مخاطرة المرتفعه تستوجب طرح حلول مصرفية مبتكرة لتوفير التمويل اللازم لعملاء ذلك القطاع من رواد الأعمال. 
التمويل أحد أهم التحديات التى تواجه الشركات الناشئة ، ولا يعني ذلك عدم قدرة البنوك على تمويل المشروعات التكنولوجية الجديدة ، ولكنه يعني اخفاق العديد من البنوك في تفهم طبيعة تلك المشروعات و أهميتها و كيفية تمويلها و دعمها ؛ وأقول العديد لأن القليل جدا .. جدا .. ادرك بالفعل أهمية دعم و تمويل الشركات الناشئة و اتخذ بالفعل خطوات أيجابية نحو ذلك. 
و الحقيقة أن توسع الرؤية المجتمعية و زيادة التوجه نحو تلك المشروعات التقنيه يلزمه خطوات استباقية من القطاع المصرفي للأستعداد بحلول مصرفية تتناسب و طبيعة النشاط الاقتصادي الجديد ؛ ولذلك تعمدت أن تظهر مقدمة المقال تغير الرؤية المجتمعية من فترة زمنية لأخرى لأيضاح مدى أهمية تفهم التغير الفكري للمجتمع و أثرة على أثراء ودعم القطاع الأقتصادي الجديد.  

و الجدير بالذكر أن الشركات الناشئة و الذي يرتكز نشاطها على تطوير حلول و تطبيقات التكنولوجيا المالية قد تصبح خير معين للقطاع المصرفي و قد تصبح منافس عنيد للبنوك التقليدية ، الأمر راجع لمدى قوة التطبيقات و الحلول التكنولوجية و قدرتها على تغطية احتياجات العميل. 

ورغم أننا دولة تسعى نحو مجتمع يتمتع أغلب افراده بشمول مالي ، الا أننا مازلنا نحتاج للعديد الأجراءات والقوانين اللازمه لتوفير مناخ مناسب لتلك المشروعات القائمة على الأبداع و الأبتكار ؛ فليس من المنطقي أن يكون مجرد تسجيل الملكية الفكرية لتطبيق تكنولوجي مشروط بتنفيذه على سبيل المثال لا الحصر. 

نحن امام جيل جديد من الفرص الذي يستوجب دعمه و توفير كافة سبل النجاح له ، و يحتاج لما هو أكثر من التمويل المالي ، ويتمد الدعم ليشمل الرعاية اللوجستية و الفنية الكاملة. 
و رغم سعي الدولة بمختلف أجهزتها و القطاع المصرفي بأكمله نحو الترويج للشمول المالي و التحول من النظام النقدي في التعاملات لنظام اكثر اعتمادا على المدفوعات الرقمية ، الا اننا لم نوفر حتى الان أجواء مناسبة لدعم الابتكار في ظل رقابة لا تمنع الابتكار بل تدعمه وهو ما يمكن تحقيقه من خلال آلية فعالة للغاية الا وهى Sandbox والتى اعتمدت عليها عدة اقتصاديات لتوفير الدعم اللازم لشركات التكنولوجيا المالية Techfin . 

و الجدير بالذكر أن المجال المتسع في عالم التكنولوجيا لن ينعكس فقط على منتجات و تطبيقات التكنولوجيا المالية بل يمكن ان يتعدى ذلك ليغطى التوجه الجديد الذي أنتعش عالميا العام الماضي وهو مجال التكنولوجيا التنظيمية Regulatory technology "Regtech" و الذي قد يعيد تشكيل الإجراءات التنظيمية عالميا و يحد من مخاطر الفساد و غسل الاموال و تمويل الأرهاب فضلا عن دعم المؤسسات المالية و تقديم حلول تقنية تحد من مخالفة القوانين و الإجراءات. 
ولا نحتاج أن نؤكد على الجيل الجديد من الفرص و المشروعات التكنولوجية يمكن أن يحقق طفرة في الاقتصاد المصري بصورة عامه ، فتصدير تلك المنتجات التكنولوجية يمكن أن يفتح افاق توسعية جديدة للاقتصاد الوطني ، فليس هناك أسهل من تصدير البرمجيات و التطبيقات ، وخير دليل على ذلك "أوبر" و "فيس بوك" . 

لن ابالغ في احلامي ليرتفع سقف طموحي لما يقوم به أكبر بنوك الولايات المتحده بنك جي بي مورجن تشيز J.p Morgan Chase من توفير حاضنات أعمال متخصصه لتلك المشروعات التكنولوجية في معقل التكنولوجيا عالميا الواقع في  سيليكون فالي Silicon Valley من خلال دعم تمويلي و لوجيستي و فني لشركات رأس المال المخاطر  venture capitalists ،  رغم ان ذلك ممكن و مطلوب و مهم للغاية ، فالمعتاد ان رواد الأعمال من مؤسسي الشركات الناشئة يتوفر لديهم المعرفة و الابتكارات بينما تشكل قلة الامكانيات أهم التحديات امامهم ، واعتقد ان توفير تلك الامكانيات شيء يسير على اى بنك و النتائج مربحه للطرفين سواء البنك او الشركة الناشئة. 
أن ضعف الحلول المصرفية المقدمه لهذا القطاع فتح الباب امام شركات جديدة توفير التمويل اللازم لتنفيذ تلك المشروعات التكنولوجية مقابل نسبة ملكية في رأس مال تلك الشركات الناشئة ، أي ان تاخر البنوك مع ازدهار الحاجه لمثل تلك الحلول التمويلية سمح بكيانات غير مصرفية بأقتناص الفرص. 

و قبل الختام ... أقول أن عدد خريجين الجامعات المصرية سنويا رقم لا يستهان به ، و توجه العديد من هؤلاء الخريجين الشباب لريادة الأعمال يمكن ان يكون الطريق لمستقبل اقتصادي أقوى ، و مجتمع أكثر تطورا ، ولن أبالغ اذا ما قلت أن المميزين من المبتكرين و المطورين في مجال التكنولوجيا المالية يعتبروا صيد ثمين للشركات العالمية التى تدرك اهمية أجتذاب تلك الكفائات من مختلف أنحاء العالم ، و خير وسيلة لوقف نزيف العقول هو دعم المبتكرين. 

في النهاية .. أن العصر الرقمي الجديد يحمل لنا العديد من الفرص ، و تطور الفكر المجتمعي يعزز تلك الفرص ، و التقدم التكنولوجي يدعم تلك الفرص ، فلا ينقصنا سوى تفهم تلك الفرص و السعي خلفها بسرعه قبل أن تتحول من فرصة الى تحدي ، قبل أن نستورد تطبيقات و حلول تقنية كما نستورد ألعاب الأطفال. 
هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟

هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟