هانى عادل يكتب .. 24 ساعة في 2030

 

مع أول شعاع شمس يضيء سماء المدينة الجديدة ،بدأت حركة نشطة تزداد في قوتها تدريجيا ، وحين أشار عقرب الساعات للسابعه صباحا كانت الشوارع بدأت بالأزدحام بالفعل. 

كانوا قديما يطلقون على تلك المدينة العاصمه الأدارية الجديدة ، أعتقد أن ذلك كان خلال فترة بناء المدينة ، الا أننا ألان نسميها مدينة اللوتس ، يقولون أن ذلك رمزا لأصولنا الفرعونية التى كانت مركزا للحضارة البشرية يوما ما، لذلك أختار الاباء و الأجداد ذلك الأسم ليربط الجيل الجديد بأصوله الفرعونية . 

كالعادة أبدأ يومي بمطالعة بعض الأخبار الهامه على شبكة الأنترنت العتيقه ، أختار تلك الجريدة ذات الأخبار الأقتصادية الهامه و أضغط على أيقونة الشراء فيخصم من رصيدي الرقمي جنيهات قليلة قبل أن تفتح لى الجريدة صفحاتها لأجول بين سطورها و أعرف أهم التحليلات ، قديما كانوا يدفعون لقرائة الأخبار ، لا أفهم كيف كانوا يفعلون ذلك ... فالاخبار مجانية و متوفرة من خلال عدة نوافذ الكترونية ، انما نحن ندفع مقابل الحصول على التحليلات ، تلك هى المعلومه التى تستحق الدفع؛ أما الأغرب أنهم كانوا قديما يقرأون تلك الجرائد مطبوعة .. غريبوا الأطوار هم هؤلاء الأجداد .. لابد أنهم كانوا يقطعون الألف الأشجار سنويا من اجل اعداد اوراق ليتم طباعة بعض الكلمات عليها ... حقا لا أتفهم منطقهم ... 

انهيت جولتي الصباحية بين تحليلات الخبراء و المحللين على عجل و التهمت وجبة أفطار سريعة و غادرت منزلي لأستقل دراجتى الكهربائية متجها لمقر عملي في المنطقه التكنولوجية ، فكما تعلم ان حياتنا في المدن الجديده تختلف كثيرا عن حياة القاطنين في القاهرة القديمة . 

قديما كان يدفعون ملايين الجنيهات لشراء شقق باهظة الثمن بعيدة كل البعد عن أماكن العمل ، ولم تكن مناطق العمل منظمة كما هى عليه في مدينتنا ، فنحن لدينا منطقة مخصصه لكل مجال و تخصص ، لدينا المنطقة التكنولوجية والتى تضم شركات التكنولوجيا و البرمجيات ، و الحي المالي حيث تجد المراكز الرئيسية للبنوك والقليل من الفروع الالكترونية فنحن اكثر اعتمادا اليوم على الخدمات المصرفية الرقمية ، و المنطقة الطبية التى تضم الى جانب المستشفيات فنادق الرعاية الطبية .. وهكذا ... لذلك ترى أنى لا استطيع تفهم منطق الآباء و الأجداد في حياتهم داخل المدينة القديمة ، رغم انها تعد أثر رائع الا ان اسلوب التعايش فيها يفتقر لكثر مما نتمتع به الان في المدن الذكية الحديثه. 

فصلت كابل الشحن الشمسي عن دراجتى الكهربائية و اتخذت طريقي نحو المنطقة الترفيهية ، ارغب في الحصول على قدح من القهوة قبل الذهاب للعمل . 

جلست في طاولتي المفضلة و فتحت التطبيق الهاتفي على تليفونى المحمول لاختار قهوتى المفضلة ، و اضفت الى ذلك قطعة من الحلوى المفضلة و ضغط زر الدفع و جلست أنعم بشمس اليوم الرائعه في انتظار ألاشعار التنبيهي الذي يخبرني بأنتهاء طلبي.

مرت دقائق معدوده قبل أن ينطلق هاتفي ليعلن ان القهوة اصبحت جاهزة و يمكنني الحصول عليها من نافذة تقديم الطلبات ، اتجهت نحو نافذة تقديم الخدمات و القيت التحية على الموظف الوحيد بالمقهى ، والذي يقتصر دوره على وضع الطلبات على صينية التقديم ، فالمشروبات يتم اعدادها بشكل آلي بمجرد اختيار الطلب من التطبيق الهاتفي ، يوما ما اخبرني والدي أن المقاهي في عصرهم كانت مليئة بالعاملين ، وكان منهم من يعد المشروبات بيده ... لا أعلم كيف كانوا يعيشون هؤلاء الأجداد. 

جلست لأنعم بالشمس الدافئة و بمذاق القهوة اللذيذ ، وأجريت عدة مكالمات هاتفية عبر شبكة الإنترنت مع بعض الأصدقاء ، و اتفقت مع احدهم على ان نتقابل الليلة لنذهب للسينما و نشاهد ذلك الفيلم الجديد ، و لأننى صاحب الفكرة فدخلت على تطبيق السينما و أخترت ألمكان المفضل و الحفلة المناسبة و ضغطت زر الدفع ليتم خصم القيمة من محفظتي الإلكترونية المربوطة بالتطبيق و هكذا في ثوان اضيف لحسابي على التطبيق تذكرتين السينما. 

قبل ان اتجه لمقر شركتى تذكرت ان على دفع قيمة الإيجار الشهري للشقة التى أعيش بها ، لذلك فتحت تطبيق العقود الذكية ، حيث أجد تفاصيل كافة التعاقدات التى التزم بها مع مختلف الجهات ، و اخترت عقد السكن و ضغطت زر الدفع فتم خصم القيمة الايجارية من محفظتي الإلكترونية و ارسل لي اشعار تاكيد السداد على بريدي الإلكتروني ، ولاحظت أن غدا موعد دفع إيجار الجراج الخاص بدراجتي فدفعته هو الاخر ... يمكن ان يتم ذلك تلقائيا من خلال التطبيق .. لكن في بعض الأحوال اقوم بتمويل تلك المدفوعات من خلال حساب الائتمان الخاص بي بالبنك لذلك اخترت ان ادفعهم شهريا بنفسي لا بصورة تلقائية.

القيت بقدح القهوة الفارغ في سلة المهملات الورقية القابلة للتدوير و اتجهت نحو العمل ، صففت دراجتى في المكان المخصص ولاحظت ازدحام الجراج بسيارات كثيرة ، يبدوا ان احد أصحاب الشركات الكبيرة جاء مع رجالة للتفاوض على شراء تطبيق جديد من ابتكارات الأصدقاء ، فكما تعلم نحن مركز الإبتكارات التكنولوجية في البلد ولا ينافسنا في ذلك سوى المنطقة التكنولوجية في مدينة سفنكس و المنيا الجديدة. 

هكذا أتجهت نحو المدخل الذكي للمبنى و فتحت تطبيق شركتي لاظهر ذلك ال QR code الذي يسمح لى بفتح بوابات المبنى و الدخول اليه ، وهو كما تعلم مربوط بالمصعد الألكترونى ، لذلك حين عبرت بهو المبنى واتجهت للمصعد كان رقم الدور قد تم تسجيلة بالفعل من خلال بياناتي المسجلة بقاعدة بيانات التطبيق و قاعدة بيانات المبنى الذكي.  

كان يوما شاقا من العمل ، عشرات الإجتماعات الهاتفية المرئية التى لن افصح عن فحواها بالطبع فتلك اسرار العمل كما تعلم ... وعند الواحدة ظهرا طلبت وجبة غداء من تطبيق الوجبات السريعة التى تقدم خدمة التوصيل و اخترت الوجبة المختارة و دفعت المقابل ، و سرعان ما جاء فتى التوصيل حاملا طلبي ، ولأن تطبيق الوجبات السريعة مربوط بتطبيق المبنى ، فبمجرد وصول فتى التوصيل استطاع الوصول لمكتبي مباشرة طبقا لتصريح الدخول الإلكتروني الذي صدر بمجرد طلبي للوجبة، استلمت الوجبة الساخنه من فتى التوصيل و سجلت تقييمي للوجبة و لسرعة التوصيل على التطبيق و دفعت اكرميه للفتى النشيط من خلال التطبيق.

في الثالثه حين اوشكت على انهاء اعمال ذلك اليوم جائتنى مكالمه هاتفيه من امي تطمأن علي صحتي ، شعرت خلال المكالمه بانها ليست على ما يرام ، واضح من صوتها انها تعانى نزلة برد ، لذلك وعدتها بالمرور عليها مساءا بعد مقابلة صديقي ، ولكن حتى ذلك يجب ان يراها طبيب ليكتب لها بعض الادوية اللازمه ، لذلك طلبت من خلال تطبيق العيادات الطبية زيارة منزلية و دفعت المقابل ، فهي لن تكون قادرة على الذهاب للطبيب ناهيك عن انها من ذلك الجيل الذي يرى ان زيارة الطبيب للضرورة فقط . 

غادرت مكتبي و اتجهت نحو المنزل ، ارغب في تغيير ملابسي سريعا و الحصول على قسط من الراحة قبل مقابلة صديقي ، في أثناء تغييري لملابسي جائني اشعاران على هاتفي المحمول ، احدهم تقريرا طبيا من الطبيب الذي زار امى و تقييمه لحالتها الصحية التى أحمد الله  على انها طيبه ، و الاشعار الاخر من تطبيق الصيدلية الرقمية الذي جاءته نسخه من تقرير الطبيب و عليه فقد اوصل الأدوية المطلوبه لوالدتي و كالعاده تم الخصم تلقائيا من محفظتي الالكترونية. 

اخذت قسطا من الراحه و داعبت بعض الاصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعى الكثيرة هذه الأيام ، و رحت استبدل ملابسي استعدادا للنزهه المسائية ، تذكرت بأن على شراء بعض البقالة والا لن اجد ما اتناولة على أفطار الغد ، لذلك فتحت تطبيق المتجر الإلكتروني لذلك السوق القريب من منزلي ، واخترت ما ارغب فيه من منتجات ، و اخترت أن يتم توصيل طلباتى حتى المنزل في ساعة مناسبة. 

لا أعلم كيف كان الآباء يقومون بتلك الاشياء يدويا ، لابد ان يومهم كان اكثر من ٢٤ ساعه ليتمكنوا من انهاء مثل تلك الاشياء ... 

حين كنت انتظر صديقي امام السينما ، رحت اطالع اخر رسائل البريد الالكتروني الخاصه بى ، لفت انتباهى ذلك العرض المقدم من شركة الخدمات الطبية ، لابد أن أجهزة الذكاء الاصطناعي لديهم علمت من خلال تطبيق العيادات الطبية انى قد قمت باستدعاء طبيب ، لذلك ارسلوا لى عرضا بخدماتهم  ... أعجبتنى الخدمه و المقابل لذلك ضغط على ايقونة التعاقد الواردة برسالة البريد الألكتروني ليفتح لي صفحة الشركة على شبكة الانترنت و تفاصيل العرض و التعاقد ، طالعتها سريعه و ضغط ايقونة الموافقة على التعاقد ، طلب الموقع تأكيد شخصيتي بأحد الوسائل المتعارف عليها كما تعلم ، أما تطبيق الهوية الإلكترونية او تطبيق التعاقدات او تطبيق المحفظة الالكترونية ، و قمت بما هو مطلوب بالفعل و في ثوان تم التعاقد و تم خصم القيمة الشهرية ، و أضيف التعاقد تلقائيا لتطبيق التعاملات التعاقدية ، كل ذلك لم يستغرق بضع دقائق  .. ترى لماذا كانوا يستغرقون في ذلك ايام فيما سبق؟ 

جاء صديقي واتجهنا نحو دار السينما ، في طريقنا أخبرني صديقي بأنه بصدد تغيير سيارته ، قرر أن يحصل على الموديل الاحدث ، اخبرني انه سجل سيارته القديمة على احد تطبيقات البيع الرقمية ، حيث حددوا له موعدا لفحص السيارة و اعداد تقرير كامل عن حالتها ، ولذلك فإن الاعلان لن يقتصر على وصف البائع كما كان يحدث قديما ، بل الاعلان يظهر تقرير كامل عن السيارة مع تحديد قيمة سوقية متوقعه ، و كذلك اخبرني بانه تلقى عرضا من البنك الرقمي لتمويل شراء السيارة الجديدة ، وبالفعل قام صديقي بأبداء اهتمامه و موافقته ، و عليه فقد قام البنك بتجهيز موافقة الكترونية لم تستغرق اكثر من ساعه . 

اصبح صديقي مستعدا لشراء السيارة الجديدة بمجرد ان يتم بيع السيارة القديمة ، التقييم الائتمانى هذه الايام يختلف كثيرا عما يرويه لى أبي ، فالتقييم اليوم بناءا على عدة معايير منها التزام العميل بمدفوعاته الشهرية كالايجار مثلا و قدرته على الصرف و حجم التدفقات النقدية و معدلها و كذلك تقييم شركات التقييم المختلفه التى تدرس سلوك العميل فمثلا غرامات و مخالفات المرور يؤثر على التقييم الأئتماني .. فالالتزام لا يتجزء ، كذلك ثبات و استقرار عمل العميل . 

بعد الاستمتاع بمشاهدة الفيلم ذو الابعاد الخماسية جلست و اياه في المقهى المفضل لنا لنتناقش حول اخر مستجدات العمل ، وفي خلال حديثنا ، جائه اشعار من تطبيق البيع الرقمي يظهر شراء احدهم لسيارته القديمه ، فرح صديقي كثيرا بقرب حصولة على السيارة الحديثه ، اجاب صديقي مكالمه من المشتري و اخبرة بمكان المقهى و أكد له انتظارة ليتم تسليم السيارة و انهاء إجراءات التعاقد .

بعد ١٥ دقيقه كان المشتري يشاركنا جلستنا ويتجاذب معنا اطراف الحديث عنه و عن عمله ، موظف هو في احد البنوك التقليدية المنتشرة في العاصمه القديمه ، انت تعلم ان أغلب التعاملات المصرفية تتم هنا من خلال خلال الفروع الالكترونية لتلك البنوك او من خلال البنوك للرقمية الحديثه ، لذلك نادرا ما نقابل مصرفي ، تسلم الرجل مفتاح السيارة و دخل على تطبيق التعاملات البيعية المعتمد من الاجهزة الحكومية ، و دخل على حسابة و انشء عملية تعاقدية جديدة ، و ادخل رقم هاتف صديقي الذي جائة اشعار يطلب موافقته على مشاركة بياناته مع المشتري الجديد ، وافق صديقي و فاكتملت بيانات التعاقد و اكد المشتري شخصيته من خلال تطبيق المحفظة الالكترونية و كذلك فعل صديقي ، و دفع المشتري رسوم نقل الملكية و غيرها من الرسوم الحكومية ، و في ثوانى جاء لصديقي أشعار يفيد بنقل ملكية سيارته للمشتري الجديد ، و أشعار يفيد بأضافة قيمة السيارة لحسابة المصرفي و أشعار من البنك يفيد أمكانية اتمام عملية تمويل السيارة الجديدة فورا ، ضغط صديقي زر الموافقه و اختار المعرض الذي لديه السيارة بالفعل ، و اكد شخصيته استنادا على بيانات تطبيق الهوية الإلكترونية و فعل أجراءات التعاقد التى كانت معلقه بالفعل ، و هكذا تم خصم قيمة المقدم و تم منح التمويل و تنفيذ الدفع المشروط للمعرض ، حيث لن يتم تفعيل الدفع الا بعد استلام صديقي لسيارته و تاكد ذلك على تطبيق التعاقدات البيعية ، غدا يمر على المعرض لاستلام السيارة و تفعيل الدفع .

صافحت صديقي و الصديق الجديد و غادرنا جميعا المقهى كلا في طريقه ، طلب صديقي خدمه توصيل رقمية ليذهب لبيته اما انا فاتجهت نحو محطة المترو و صففت دراجتى الكهربائية بجراج محطة المترو بعد أن دفعت القيمة بمحفظتي الالكترونية ، و اتجهت صوب بوابات الدخول ، دفعت قيمة التذكرة خصما من محفظتي الالكترونية و مررت شاشة الهاتف المحمول امام قاريء البيانات الإلكتروني ليقرأ الكود الرقمي بتذكرتي ليفتح لى بوابة الدخول للمحطه ، ممرت ببوابات التامين ، واتجهت الى رصيف المحطه ؛ متجها نحو القاهرة حيث تقيم امي. 

بجوار اروع سيدات الكون جلست اتحدث أليها و الى أبي و استمع لحكاويهم عن أيام الشباب ، حكو لي كثيرا عن التعاملات النقدية و عن أسلوب حياة مختلف تماما عما نحياه الان ، حكى لى والدي كيف اشترى تلك الشقة نقدا و كيف قام بإجراءات توثيق التعاقد الذي استغرق عاما و نص ليحصل على عقد رسمي موثق ، و حكى لى عن اوراق النقد و فئاتها ايام جدي ، صحيح أن بعض تلك الفئات مازالت مستمرة الا انى لا اذكر انى تعاملت باحدها الا مرة وحيدة خلال الثلاث اشهر الماضيه ، وكان ذلك هنا في القاهرة وليس في مدينة اللوتس ، اتسعت عيونهم دهشه حين اخبرتهم كيف انهى صديقي اجراءات شراء سيارته الجديده و بيع سيارته القديمه ، ضحكت و اياهم كثيرا و تبادلت معهم احاديث مطولة قبل أن اغادرهم عائدا لحيث انتمى ، مدينة اللوتس. 

انها العاشرة مساءا .. كان يوما مرهقا .. الان أرغب بالنوم العميق .. فعملي يبدأ من السابعه و النصف صباحا ... ارخيت جسدي على السرير و ابتسمت وانا اتخيل نفسي أعيش في ذلك الزمن القديم ... حين كان يلزمهم اسابيع و ربما شهور لانهاء ما استطعت اليوم انهائه ... اتسعت ابتسامتى حين تذكرت أن أبي كان يدخر شهريا مبلغ من المال ليضمن حياة كريمه لي و لأخوتى ، كيف لم يكن فى زمنهم تلك البرامج المصرفية الادخارية المعتمده على دراسة اسلوب مصروفات العميل و توجيه جزء من دخله شهريا للأستثمار طويل الاجل ؟ كيف كانوا يجمدون ملايين الجنيهات في شراء عقارات ؟ كيف كان الامن ان ذاك في صورة جدران و حوائط ؟ كيف كان التعليم يستلزم مواعيد ثابته و اماكن محدده ؟ ... يبدو ان حياتهم فعلا كانت اكثر بدائية من حياتنا في مدينة اللوتس ...