رئيس مجلس الإدارة
مدحت بركات
رئيس التحرير
محمد الشواف
ads
ads

هانى عادل يكتب .. نقود العصر

السبت 06/أبريل/2019 - 02:11 م
ads
الإستدامة والتمويل | sustainability and funding
طباعة
ads



في البداية يجب ان نطرح سؤال هام جدا ... هل الأموال هدف ام وسيلة ؟ 


الاجابة عن هذا السؤال تفتح امامنا الطريق لنرى مستقبل النقود ، ولهذا دعونا نعود عدة قرون للوراء ... 

نظام المقايضة 

قديما كان التبادل  التجاري قائم على نظام المقايضه ، من يملك البقرة قادر على مقايضة حليبها ببعض البيض ومن يملك الدجاج يقايض بيض دجاجاته ببعض الذرة ، وهكذا ... كانت عملة التبادل التجاري قائمة على تبادل المنفعه و تتحدد قيمة كل منتج بناءا على توافره و مدى الاحتياج له ، فاذا ما توافر محصول الذرة و ازدهرت زراعته أصبح سعره زهيدا اما أذا أصاب المحصول أفه اثرت على حجم المحصول و أضرت بكميته ، فأن قيمته ترتفع ... اى انه لم يكن هناك قيمة ثابته للسلع و الخدمات ، بل كانت تتحدد قيمة كل منتج بناءا على حجم الطلب و العرض ، ولم تقتصر المقايضه على المنتجات ... بل امتدت للخدمات ، فكان يمكنك أستأجار حمال لحمل منتجاتك من الحقل للسوق في مقابل منحه بعض المنتجات و السلع. 

حفظ الثروات 

ومع زيادة حجم التبادل التجاري و حدوث وفرة في بعض المنتجات ظهرت الحاجه لوسيلة يمكن من خلالها حفظ القيمة الشرائية ، او بالاحرى حفظ الثروات ، على ان تكون وسيلة سهلة ومقبولة بشكل مجتمعي للتبادل التجاري ، لهذا ظهرت العملات المصكوكه من المعادن الثمينه كالذهب و الفضه ، لتمثل تطورا في وسائل الدفع و تقدما في حفظ الثروات ، و بازدهار التجارة البينية بين مختلف المجتمعات أصبح هناك أجماع إقليمي بقبول تلك العملات كوسيلة للدفع ، ففي النهاية قيمة كل عملة في وزنها من المعدن الثمين ، أى ان القيمه ثابته و مستقرة الى حد كبير وليست عرضه لتقلبات و اهتزازات كبيرة ؛ وفى تلك الحقبة من تاريخ النقود كانت قيمة النقود في النقود ذاتها ، فالذهب ذهب كان ذلك في مصر او في انجلترا ، قيمته مستقره و مقبولة بأختلاف المجتمعات. 

العملات الرمزية 

و مع التطور التجاري اصبحت الحاجه ملحة لمزيد من التيسيرات ، حيث لم يعد من السهل حمل تلك المعادن الثمينه الثقيلة لإتمام العمليات التجارية ، و لكن ظلت تلك المعادن ذات القيمة المستقرة صاحبة السيطرة ، وحين نشأت العملات الورقية (الرمزية) كانت كل عمله تمثل قيمة معينه من تلك المعادن ... و مع تطور الفكر التجاري العالمي و نشأة المصارف أصبح الذهب غطاءا نقديا تصدر عنه العملات.

النقود وسيلة 

اي ان النقود في حد ذاتها ليست هدف ، انما هى وسيلة ، سواء للحصول على قيمة ما أو لحفظ الثروات ، للدفع و التبادل التجاري او لتقييم خدمه او منتج. 


فأنت حين تغادر منزلك صباحا للعمل ، ليس هدفك هو جني تلك الورقات الملونه المسماه نقود ، بل هدفك هو القيمه التى تعود عليك بصرف تلك الورقات ، اى ان تحقق قيمة النقود يأتي من صرفها و ليس من اكتنازها ، فاذا ما كان لديك خزانه مليئة بالنقود ، فأن حقيقة قيمتها لن تظهر الا أذا بدأت بصرف تلك النقود ... 

النقود والقيمة الشرائية 

ولذلك فأن قيمة الراتب الشهري مثلا لاى موظف ليس في حجم النقوم التى يتقاضها نظير عمله ، أنما في القيمة الشرائية لتلك النقود والتى تختلف من مجتمع لأخر ، بل ومن طبقة لأخرى في المجتمع ذاته. 


ولذلك فقيمة ال ١٠٠٠ دولار في مصر مختلفه عن قيمتها في امريكا ، وما يمكن ان تحققه لك ال ١٠٠٠ دولار في مصر مختلف عما يمكن ان تحققه لك في الهند على سبيل المثال ، رغم انها ذات ال ١٠٠٠ دولار ، ورغم انها عملة عالمية مستقرة و قوية ، الا ان قيمتها او قوتها الشرائية تختلف باختلاف المجتمعات ، أو بالاحرى باختلاف قيمة السلع والخدمات و تكاليف المعيشه. اى ان قيمتها الحقيقية ليست في الاحتفاظ بالمبلغ ، ولكن في قوته الشرائية وقت صرفه. 

المبلغ النقدي والقيمة 

مما سبق أردت توضيح أن الهدف ليس المبلغ النقدي ، أنما هو القيمه التى تحصل عليها عند صرف ذلك المبلغ النقدي ، ولأن الهدف فى الاساس هو الصرف ، أصبح من المنطقي ان ننظر كيف يمكن تحقيق الهدف دون الحاجه لوسيط او سيلة مساعده للحصول عليه . 


العملات الرقمية 

ومع تطور و ازدهار التكنولوجيا عالميا في السنوات الأخيرة ، أصبح من اللازم ان تتطور النقود هى الاخرى ، لتصبح وسيلة أقل تكلفة و اكثر فعالية ، و من هنا ظهرت العملات الرقمية التى بدأت تحقق الهدف من النقود التقليدية و أصبحت هى نقود المستقبل ، حتى الان. 


رغم ان العملات الرقمية ظهرت بشكل أثار حفيظة العالم كله من خلال تلك العملة مجهولة المصدر و التى لا تخضع لأي قوانين او اجهزة رقابية Bitcoin الا انها فتحت الباب امام العالم اجمع للنظر في تطور النقود التقليدية و العمل على تطويرها هى الاخرى. 


و في ظل هذا التطور ، لم يعد اصدار تلك العملات الرقمية حكرا على البنوك المركزية حول العالم ، بل أن هناك العديد من شركات التكنولوجيا و المؤسسات الماليه قامت بإصدار عملات رقمية أو في مرحلة تحضيرية من اجل ذلك. 

العملات الرقمية المستحدثة 

و بالنظر الى تلك العملات الرقمية المستحدثه ، نرى انها وحدات الألكترونية رقمية قد لا تعكس غطاء حقيقي يظهر قيمتها الفعلية ، ولكن اذا ما حدث اجماع عالمي عليها فانها تكتسب قوة النقود حتى وان فقدت ثباتها و استقرارها ، الا ان بعضها اصبح انعاكسا للعملة التقليدية و استمد قوته منها ، كما هو الحالة في العملة الرقمية التى يعمل على اصدارها بنك جي بي مورجن JP Morgan والتى تعادل قيمتها قيمة العملة الأمريكية. 


و بالقياس ، فأن نقاط المكافأت التى تحصل عليها من شركات المحمول نتيجة لكونك عميل مميز هى صورة من صور النقود ، و نقاط الولاء التى يمنحها لك البنك مقابل تعاملات ببطاقته الائتمانيه هى صورة أخرى من صور النقود ، و نقاط الأميال الجوية التى تمنحها شركات الطيران للمسافرين هى كذلك صورة من صور النقود ؛ طالما أستطعت ان تحصل على قيمة من صرفها او مقايضتها فهى صورة من صور النقود. 

النقود وغطاء الذهب 

وعليه فأن النقود لم تعد تلك الصادرة بغطاء من الذهب يعكس قيمتها و يمنحها القوة الشرائية ، و لذلك فأنه من المتوقع أن تتطور أشكال ذلك الغطاء النقدي ليشمل اوجه اخرى تمنح النقود قوة شرائية. 


فالموارد البشرية قد تصبح غطاء نقدي ، أليس البشر هم أهم عناصر الإنتاج ، اى أنه بأرتفاع حجم القوه البشرية العامله يرتفع حجم الإنتاج و بالتالي فأن قيمة الموارد البشرية او العمل البشري قد تصبح مستقبلا غطاءا يصدر عنه النقود ، وكذلك الموارد الطبيعية ، كطاقة الرياح و الطاقة الشمسية و غيرها ، فالناتج عن تلك الموارد له قيمه يمكن ان تصبح غطاء للنقود. 


أي أن كل ما له قيمة يمكن مقايضتها أصبح - في ظل عالم العملات الرقمية - غطاء يمكن إصدار نقود بضمان قيمته ، أي اننا نعود من جديد للبدايه الاصلية للتبادل التجاري ، المقايضه ولكن في شكل أكثر تقدما و تطورا لتتخذ المقايضه وسيط رمزي Token بدلا من الوسيط الحقيقي وهو النقود التقليدية ، أى أن العرش الذي استحوذت عليه النقود التقليدية و الذي منحها القوة و النفوذ المستمدة من اقتصاديات الدول ، بدأ يهتز ... و أصبح للعملة الواحدة عدة منافسين محليين بخلاف المنافسين الدوليين. 


وحدات رقمية 

لذلك ، لك أن تتخيل أنك سيأتي يوم تتقاضى فيه راتبك في شكل وحدات رقمية تسطيع استبدالها بمنتجات و خدمات محليا او عالميا دون الحاجه لتحويلها لعملة ، يكفي ان تلقى تلك الوحدات قبولا مجتمعيا ليصبح لها قوة النقود. 


ولأن قيمة تلك العملات سيختلف من مجتمع لأخر و من دولة لأخرى فأنه سيظهر شكل جديد من أشكال الصرافة ، قائم على تقييم قيمة كل عملة في مجتمعها و مقارنة نفس القيمة في مجتمعات و دول اخرى ، أي انه على سبيل اذا كانت وحدتين من العملة x تكفي لشراء كيلو من القمح في دولة ما ، في حين ان ذات القدر من القمح في دولة اخرى يلزمه اربع وحدات من العملة المحلية Y ، فانه سيتم أستبدال كل وحدة من العملة x بوحدتين من العملة Y ، اى ان اختلاف القيمة باختلاف المجتمعات و الدول لن يكون له وجود ، على عكس الحاصل حاليا في العملات التقليدية ، مما سيمنح القوة للعملات الرقمية و يجعلها أكثر قبولا عالميا ، وقد يظهر شكل جديد من العملات الرقمية يتحدد قيمته بحجم التبادل التجاري بين الدول و بعضها ، حينها سنستورد من الصين بعملة غير تلك التى نصدر بها منتجاتها للهند مثلا ، و هكذا ، كلما تنوع حجم التبادل التجاري بين الدول تنوعت اوجه النقود و تعددت ليكون الفائز الأكبر هى الدول صاحبة اكبر حجم للتبادل التجاري العالمي . 


قد اكون مصيب في رؤيتي و قد اكون مخطئ و لكنها رؤية أردت طرحها من خلال هذا المقال ، و مناقشتها معكم فذلك هو سبيل التطوير و التنوير. 
هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟

هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟