رئيس مجلس الإدارة
مدحت بركات
رئيس التحرير
محمد الشواف
ads

هانى عادل يكتب ... الفروع بين أمس واليوم و الغد

الإثنين 21/يناير/2019 - 07:01 م
ads
الإستدامة والتمويل | sustainability and funding
طباعة
ads
  

الفروع هى ما يخطر ببال أى انسان حين يأتي ذكر البنوك ، فجمهور العملاء يتردد يوميا على فروع البنوك و الاقلية ما يتردد على المركز الرئيسي لأي بنك. 
والفروع تمثل الكثافة العددية الأكبر في أي بنك ، حيث دوما ما تكون أغلبية موظفي أي بنك تنتمي لقطاع الفروع ، وهى كذلك القناة الاكثر شعبية - حتى هذه اللحظة - في التعامل مع البنوك و بالاخص في مجتمع ما زال يعانى من انخفاض في الوعي المصرفي كالمجتمع المصري. 
كنت من الجيل الذي لحق أواخر ايام اللامركزية او أنصاف المركزية في البنوك ، حيث كان الفرع يحوى إدارات عدة ، فكان يمكن للعميل ان يمضي عدة ساعات بالفرع لينهي العديد من المعاملات المصرفية التى كانت دوما تستلزم طلبا موقعا عليه من العميل ليتم تتفيذها. 
كان الفرع آنذاك يضم ادارات مثل الإئتمان و الأعتمادات و خطابات الضمان و التحويلات (الكامبيو) بالإضافة لإدارات خدمة العملاء و الخزينة و بعض ادارات الدعم و المكاتب الخلفية كالموارد البشرية و الحاسب الالي و المراجعة الداخلية و غيرها ... 
تلك كانت فروع البنوك حتى فترة ليست ببعيده ، حينها كان الفرع الصغير يضم ما لا يقل عن ٣٠ موظف و يعتمد في انهاء بعض معاملات عملائه على اقرب الفروع الكبيرة وهو ما كان يضم مئات الموظفين. 
اتذكر كيف كان العمل اليدوي سيد الموقف ، حين كان السجل (كلامازو) اكثر تعبيرا عن الواقع من نظام الحاسب الآلي، كان مجرد استخراج بيان ببعض المعاملات المصرفية ليتم ارساله للبنك المركزي او للمركز الرئيسي قد يتطلب يوم عمل كامل من موظف متفرغ فقط لإعداد البيان ، وكان مجرد حصول العميل على كشف حساب يحتاج لطلب يتم استيفاء توقيع العميل عليه قبل مصادقة التوقيع ليحصل على كشف حسابه ، و لأغراض اعداد البيانات المالية كان لادارة الحاسب الآلي دور هام جدا تعتمد عليه كافة الإدارات بالاخص في الميزانيات الربع و النصف سنوية و السنوية. 
تلك كانت فروع البنوك بالأمس القريب ... 

ومع تطور نشاط البنوك و توسع أعمالها و أعادة هيكلة أغلبها ، و كذلك مع تطور الوسائل التكنولوجيه و نظم الحاسب الآلي ، شهدت الفروع العديد من التغيرات ، او بالأحرى تغيرت تغيرا جذريا ، حيث اصبحت المركزية هي ألأساس في البنوك ، و أصبح الأنتشار الكثيف للبنوك يتطلب اعادة النظر في احجام الفروع و كثافة موظفيها ، رغم أنها مازالات الكثافة العددية الاكبر في أى بنك . 

مع توسع البنوك في أجتذاب العملاء من الافراد و السعي الدائم لأجتذاب عملاء تحويل المرتبات ، أصبح دور الفروع اكثر تركيزا على عملاء التجزئة المصرفية ، وهو ما عززه انتشار و تطور ماكينات الصراف الآلي التي بات الاعتماد عليها قوي للغاية. 
انخفضت اعداد موظفي الفروع الصغيره لتصل في بعض الأحوال ل ٤ او ٥ موظفين في فروع بعض البنوك و الفروع الكبيرة لم يعد حجم موظفيها يتجاوز ال ٣٠ بأي حال ، وكان الانخفاض العددي أكثر ما يكون في اقسام الخزينة و العمليات ، نظرا لتطور دور نظم الحاسب الآلي و تطور دور ماكينات الصراف الآلى و انتشارها فضلا عن حرص البنوك على خفض التكاليف الثابته. 
و اصبح العميل قادر على انجاز بعض معاملاته المصرفية دون الحاجه لأستيفاء طلب موقع منه ، بل و بدون الحاجه لزيارة الفرع من الاساس. 
حيث يمكن للعميل طباعة كشف حسابه و اجراء تحويلاته الداخليه و احيانا الخارجية كذلك و اجراء عدد من المعاملات المصرفية من خلال تطبيق البنك على الهاتف المحمول Mobile Banking أو من خلال صفحة البنك على الانترنت Online Banking  بل أن بعض الخدمات ممكن الحصول عليها من صفحات البنوك على مواقع التواصل الإجتماعي Social media .
و مع ذلك التطور و التغير أصبحت الحاجه ملحة لوجود ادارات متخصصة لأعداد البيانات و التقارير التي يعتمد عليها مختلف ادارات البنك و الفروع بصورة خاصة. 
ورغم ان الفروع مازالات قناة التواصل الاكثر شعبية للتعامل مع جمهور العملاء ، الا أن هناك فئة كبيرة من عملاء البنوك التى أصبحت نادرا ما تزور الفرع طالاما أمكنها انهاء معاملتها بصورة اكثر يسرا من خلال شبكة الإنترنت او الهاتف. 
الطفرة الكبيرة في تطور قنوات التوزيع البديلة عن الفروع يرجع في الأساس لتطور التكنولوجيا و اندماج غالبية المجتمع بها وتفاعله معها ، وكان انتشار الهاتف المحمول الذكي Smart phone بمثابة أشارة البدأ للبنوك لتعيد النظر في إستراتيجية الأنتشار الجفرافي للفروع و حجم الاستثمارات الموجهه لقنوات التوزيع البديلة ، والكثافة العددية اللازمه لشبكة الفروع. 
و بدأت بعض البنوك بالفعل على الاعتماد على فروع الكترونية كقناة مستحدثة للتعامل مع الجمهور ، ربما كان التوجه في بدايته الا أنه بداية يجب أن تؤخذ في الاعتبار و يجب مراعاة مدى تقبلها من جمهور العملاء و كيفية تفاعلهك معها .
وهذا هو حال الفروع اليوم ... 

ولكن ما هو المتوقع ان يصير اليه حال الفروع مستقبلا في ظل التطور السريع و الهائل في التكنولوجيا المالية و تطبيقاتها ؟
مازل مجتمعنا المصري يلزمه المزيد من الانتشار الجغراقي ليضمن وصول الخدمات المالية و المصرفية لكافة أرجاء البلاد ، الا أنى أعتقد ان ذلك الدور لن يتم بالاعتماد على شبكة فروع البنوك ، الامر قد يتم من خلال الاعتماد على وكلاء منتشرين في مختلف انحاء الجمهورية يمكنهم تقديم بعض خدمات البنك ، تماما كما هو الحال مع شبكة فوري ، حيث يمكن لعملاء البنوك ايداع و سحب ارصدة محافظهم الالكترونية بالاعتماد على تلك الشبكة التى تغطي كافة انحاء الجمهورية دون الحاجه لوجود فرع.
وبالتالي فمن المتوقع ان يشهد التوسع الجغرافي للبنوك مرحلة بطء ، لا أقول ان الانتشار الجغرافي سيتوقف ولكنه لن يستمر بذات الحماسه التي اعتادناها من البنوك مسبقا. 
نضيف إلى ذلك تطور برامج و تطبيقات الهاتف المحمول و التي يمكن انجاز العديد من معاملات الفروع من خلالها ، و مع هذه التغيرات من المتوقع ان نشهد انخفاض مستمر في اعداد موظفي العمليات و الخزينة في الفروع ، نظرا لوجود تطبيقات تكنولوجية قادرة على انجاز ذات المهام .

ومع ذلك الانخفاض قد نشهد موجة استبدال للفروع التقليدية بفروع ألكترونية ذكية ، و خلال أعوام قليلة اعتقد ان استثمار البنوك في موظفي الفروع سينخفض تدريجيا لحساب الوسائل الإلكترونية للتواصل مع العملاء. 

مع التوسع في طرح تطبيقات الكترونية قادرة على تغطية أحتياجات غالبية العملاء ، سينتهي الدور الروتيني لأعمال الفروع و سيظهر بقوة الدور القائم على القدرات البشرية في مجالات الابتكار و التسويق و المبيعات ، حينها من المتوقع أن يتحول دور البقية الباقية من موظفي الفروع الى دور اجتذاب العملاء من ذوي الملائة المالية المتوسطه و المرتفعه دون القيام بدور الاعمال المكتبيه التقليدية ، بل قد ينافس موظفي الفروع وسائل المبيعات المتطورة و القادرة على تحليل سلوكيات العميل و عرض منتجات و خدمات مصرفية مناسبه لسلوكه و اهتماماته في الوقت المناسب و من خلال الوسيلة الاقرب للعملاء. 

قد تفاجأ في المستقبل القريب انك قادر على أنجاز بعض المعاملات المصرفية أثناء طلبك لوجبة سريعة من احد المطاعم ، و ستفاجأ كذلك حين تجد أن معدل ارباح البنوك يتناسب عكسيا مع تكلفة مرتبات و اعداد موظفي الفروع. 

لا أقول ان ذلك سيحدث في ليلة و ضحاها ، انما سيتم بشكل تدريجي سريع قد لا نجد الوقت المناسب لادراكه. 
و عليه ... فأن فروع الغد من المتوقع أن تتخلي على عرشها كقناة التواصل الاكثر شعبية بين البنوك و الجمهور ، و ستتولى مقاليد الأمور قطاعات أكثر اعتمادا على التكنولوجيا المالية. 

العصر القديم الذي شهد التوجد المصرفي التقليدي بدأ بالفعل العد التنازلي و الان يستعد التحديث الجديد للنظام للمصرفي ليفرض نفسه على الساحه ؛ والأمر لن يقتصر على عمل الفروع ، انما الفروع و مراكز خدمة العملاء الهاتفيه Call Center هى البداية ، وحين يصبح تحليل الميزانيات و دراسات السوق و دراسات الصناعات المتخصصه اكثر تطورا و اكثر اعتمادا على تحليل البيانات الكبيرة Big Data ستشهد البنوك تغيرا جذريا ليبدأ عصر جديد من الخدمات الماليه قد تكون البنوك أضعف اركانه وليس العكس في ظل منافسة شركات الإتصالات و شركات التكنولوجيا و تقنية المعلومات على تقديم خدمات مالية قد تكون منافسه لما تقدمه بعض البنوك. 
هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟

هل تعتقد تحسن المنظومة الطبية في مصر بعد زيادة مرتبات الأطباء وجهود الدولة في الحفاظ على صحة المصريين؟