هانى عادل يكتب ... التجربة الهندية في التحول الرقمي

" ربما تكون الصين صاحبة التجربة الاكثر تقدما في مجال التكنولوجيا الماليه حتى الان ، الا أن هناك عملية تحول و  تطور تكنولوجي مثيرة للغاية من عدة نواحي و هذه تتم الان في الهند " كانت هذه كلمات " د. دوجلاس ارنر" الاستاذ بجامعة هونج كونج في اثناء كورس التكنولوجيا الماليه كافيه لأشعال الاثارة و الحماس بداخلي للتعرف عن المزيد عن التجربة الهندية و تطبيقاتها في مجال الشمول المالي. 

أثارت المحاضرة انتباهي بشكل كبير جدا و اخذت أدون عدة ملاحظات حتى يمكنني البحث عنها بمزيد من التوسع للتعرف على تجربة الهند التى كانت حتى وقت قريب جدا تعانى من التعاملات النقدية تماما كما نعانيه الأن بفارق بسيط هو أن تعداد شعب الهند تجاوز ١.٣٥ مليار نسمه ، و ينطق ب ٢٠ لغة مختلفه على الاقل. 

أى أن التحديات التى تواجهنا تعتبر لا شيء أمام ما واجه الهند من تحديات حين بدأت عملية التحول الرقمي Digital Transformation في ٢٠٠٩ .

ما يميز تجربة الهند أو عملية التحول الرقمي الهندية و التى تسمى India Stack هو انها اعتمدت على تطوير البنية التحتية الرقمية و اعتمدت على جهود و أبتكارات الشركات الناشئة و اكتملت الحلقة بالتعاون الحكومي الذي فتح الطريق أمام الأبداع و التنفيذ. 

التجربة في مجملها قائمة على انشاء قاعدة بيانات رقمية تشمل كافة بيانات تحقيق الشخصية ، بل هى أصبحت بديل أكثر قوة من تحقيق الشخصية القديم المتعارف عليه ، وتضم قاعدة البيانات كافة بيانات المواطن و المقيم بداية من بياناته الشخصية و حتى بصمة الاصابع و العين و لكن بشكل رقمي ، و اتاحة تلك البيانات للشركات و البنوك و الحكومه وحتى الشركات الناشئة لتقديم افضل خدماتها للمستخدمين. 

التجربة ترتكز على ٤ محاور هامه وهى اولا اثبات الشخصية بصورة رقمية من خلال هوية إليكترونية  ، ثانيا خفض التعاملات الورقية و استبدال الورقيات بوسائل رقمية ، ثالثا التحول لنظام أقل اعتمادا على التعاملات النقدية ، رابعا حفظ و تداول البيانات و المستندات بشكل رقمي. 

هذه هى المحاور  التى اتخذتها الهند أساسا للانطلاق نحو مجتمع رقمي اكثر اعتمادا على تطبيقات التكنولوجيا الماليه ، ولكن قبل ان نتوسع في أستعرض المزيد من تفاصيل التجربة يجب أن نشير الى أن عدد المستفيدين من تلك التجربة حتى الان بلغ ١.٢ مليار مستخدم وهو رقم يظهر مدى نجاح التجربة ، أما عن عدد المتعاملين مع البنوك فحدث ولا حرج ، لقد ساعد التحول الرقمي India stack في خلال أخر ٥ سنوات على فتح حسابات ل ٣٠٠ مليون مستخدم جديد ... 

البداية كانت في ٢٠٠٩ حيث تم أنشاء مكتب متخصص تابع للجنة التخطيط بالهند يهدف لأنشاء هوية رقمية جديدة لكل المقيمين بالهند ، ولكن سرعان ما تم تحويل ذلك المكتب لهيئة حكومية تابعة لوزارة الألكترونيات و تكنولوجيا المعلومات تحت أسم هيئة الهوية الفريدة للهندThe Unique Identification Authority of India (UIDAI) لتبدأ الهند عصر جديد بأطلاق أكبر نظام هوية إليكترونية في العالم ، و تشمل الهوية الألكترونية كافة بيانات المستخدم بالاضافة لبصمات اليدين و بصمة العين كوسيلة فعالة غير قابلة للتزوير لأثبات الشخصية ، و أصبحت الهوية الجديده المسماه Aadhaar هى وسيلة تحقيق الشخصية الاكثر قوة في الهند في الوقت الحالي ، وبلغ عدد الهويات المصدرة منذ ٢٠١٠ وحتى الأن ١.٢ مليار هوية تقريبا ، ثم تم أنشاء نظام مدفوعات مربوط بتلك الهوية الألكترونية مما أتاح لأصحاب الهوية الجديده ربط حساباتهم المصرفية بالهوية الجديده و كذلك مكن ٣٠٠ مليون مستخدم من فتح حسابات مصرفية اعتمادا على الهوية الرقمية الجديده ، بل واتاح نظام المدفوعات الفرصة امام البنوك و شركات الدفع الالكتروني و غيرها من شركات الخدمات المالية بتقديم خدماتها من خلال ربط نظم المعلومات بها بنظام المدفوعات الالكترونية الجديد.

الخطوة التالية كانت في انشاء نظام الكتروني يتيح للمستخدم تقديم كافة البيانات و المستندات اللازمه للتعرف على العميل E KYC و بالتالي تيسير عملية التعاملات المصرفية و المالية لكلا من المستخدم و المؤسسة المالية ، فضلا عن امكانية تحديثه بصورة فورية آمنه من جانب العميل مباشرة دون الحاجه لزيارة البنك او المؤسسة المالية التى يتعامل معها .

كما تم انشاء نظام الكتروني رقمي لحفظ و تداول البيانات و المستندات الشخصية ، وذلك للحد من الاستخدام الورقي و استبداله بتداول الكتروني اقل تكلفة و اكثر فاعليه و امان ، بالإضافة لنظام للتوقيع الالكتروني يعتمد على الهوية الرقمية و بيانات اثبات الشخصية مثل البصمات. 

اى أنه بمجرد ان تحصل على الهوية الرقمية يمكنك الاندماج في النظام المالي و الحصول على خدمات مالية و مصرفية الكترونيه اينما كنت داخل حدود الهند . 

والمثير في الامر ان الهند منحت الفرصة للشركات الناشئة و المبتكرين من المشاركة في حالة التطور و الاستفادة من قاعدة البيانات الضخمه من خلال المشاركة في Sandbox حيث يتم دعم الابتكارات التكنولوجيا مع مراعاة الرقابة الحكومية و بالتالي اتاحة الفرصة للقطاع الخاص دون التخلي عن الدور الرقابي الحكومي ، فالتجربة كلها عبارة عن مجموعة من وجهات التطبيقات التكنولوجيه (Application Programming Interface (API التى تستند الى نفس قاعدة البيانات باختلاف التطبيق و الاليه لتكون بذلك هى الاكبر عالميا. 

و في ٢٠١٦ قام البنك المركزي الهندي بخطوة قوية لدفع المجتمع للتخلص من التعاملات النقدية و استبدالها بالطرق الالكترونية ، و أكرر ان الخطوة تدفع الجمهورا دفعا و ليست مجرد خطوة تشجيعية ، حيث قام البنك المركزي الهندي بألغاء الأوراق النقدية فئة ٥٠٠ و ١٠٠٠ روبية و استبدالها بأوراق جديدة من فئة ال ٥٠٠ و ٢٠٠٠ روبية وهو ما كان نتيجته ان ١٥.٣ تريليون روبية تم ايداعهم بالبنوك من اجمال ١٥.٤ تريليون روبية حجم النقد الذي تم ألغائه اى أن فقط فقط ١٠٧ مليار روبية لم تضخ بحسابات مصرفية وهو يعتبر انجاز في حد ذاته و لا اعتقد انه كان سينجح في حالة عدم وجود بنية تحتية مالية رقمية ، ربما لم تقضى الخطوة على كافة اوجه الفساد المالي فى الهند الا انها خفضت حجم التعاملات النقدية بصورة كبيرة و عززت السيولة بالقطاع المصرفي و مهدت لخطوات اكثر قوة في المستقبل. 

لم تبدأ الهند الشمول المالي بعرض خدمات التكنولوجيا الماليه و الاعتماد على البنية التحتية القديمة انما بدأت باطلاق بنية تحتية رقمية جديدة كانت هى الأساس الذي بنيت عليه التكنولوجيا المالية و انطلقت من خلاله البنوك و شركات الخدمات المالية بقوة لعرض خدمات و منتجات مالية و مصرفية و الترويج للشمول المالي. 

والجدير بالذكر ان هناك تجارب مشابهه في الأتحاد الأوروبي و بالاخص في المملكة المتحدة ، ليس على نطاق الهوية الألكترونية ولكن على نطاق اكثر تخصصا في المجال المصرفي ، حيث يتم مشاركة البيانات المالية للعملاء مع شركات التكنولوجيا المالية للوصول لافضل خدمات مالية و تنكولوجية مقدمه للعملاء من خلال نظام مستحدث يسمى Open Banking يمكن مناقشته بأستفاضه اكثر في مقال اخر. 

في رايي فان التجربةالهندية India Stack هي بمثابة تحول رقمي لمجتمع اعتاد الى الروتين و التعاملات النقدية لعقود من الزمن ، ولا يمكن ان نغفل ان التجربة لم تكن لتحقق تلك النجاحات لو لم تتاح الفرصة للشركات و المبتكرين في المساهمه فيها و العمل على تطويرها ، ورغم ان التجربة حاليا تواجه بعض التحديات الاجرائية من حيث قانونية مشاركة بيانات المستخدمين مع الشركات و البنوك و غيرها من مقدمي الخدمات الماليه الا أن الدولة الهندية تقوم بعمل تغييرات شاملة لتتوافق القوانين و الإجراءات مع متطلبات العصر.