هانى عادل يكتب ... التجزئة المصرفية و الفرص الضائعة
الثلاثاء 05/فبراير/2019 - 10:53 ص
مع بدايات القرن الجديد بدأت التجزئة المصرفية طريقها نحو السيطرة على أرباح البنوك و التربع على عرش القطاع المصرفي ، بعد أن كانت لأعوام عديدة أقل القطاعات شأنا أصبحت الحصان الأسود الرابح في سباق الأرباح المصرفية.
تغيرت توجهات البنوك و أحتلت التجزئة المصرفية اولويات الغالبية العظمى من البنوك ذات الرؤية و الرسالة الواضحه.
أصبح للبنوك فرق ضخمه من رجال المبيعات القادرين على أحداث تغيير قوي في حجم اعمال التجزئة المصرفية بالبنوك ، و أقول الحق أن انتشار خدمات التجزئة المصرفية في المجتمع المصري ينسب لجيوش المبيعات المباشرة Direct Sales الذين انتشروا في آلاف الشركات و المؤسسات و الوزارات يروجون منتجات البنوك و يقنعون الجمهور الذي لم يكن يدرك الفارق بين القرض و بطاقة الأئتمان.
ومع التغيرات التى شهدها القطاع المصرفي المصري عقب عملية الإصلاح المصرفي و خصخصة بعض البنوك ، ومع توسع البنوك الأجنبية في السوق المصرفي المصري و تغير سياسات العديد من البنوك كان من اللازم ان تتطور التجزئة المصرفية و هو ما حدث بالفعل حيث شهدت الخدمات المصرفية للأفراد تطورا كبيرا و تنوعا و اختلافا لجذب اكبر قدر ممكن من العملاء و لتغطية احتياجات المجتمع.
و أصبحت التجزئة المصرفية و خدمات الأفراد هى الاكثر تطورا بين قطاعات أعمال البنوك ، و عزز ذلك التطور التكنولوجي الهائل المميز لهذا العصر و انتشار تقنيات التكنولوجيا المالية Fintech ، ولن اناقش هنا تبعيات التطور التكنولوجي من منطلق التكنولوجيا المالية حيث تناولتهم بالفعل في مقالين سابقين ، ولكن ... سألقي الضوء على بعض التغيرات التى تعد فرص ضائعة لم تستغل حتى هذه اللحظه في الغالبيه العظمى من البنوك ...
* فرق مبيعات اون لاين Online Sales Force
رغم ألتطور في آليات اجتذاب العملاء الا ان البنوك لم تزل تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي على انها قناة تسويق و ليست قناة مبيعات ، وهو ما ارى انه يجب ان يتغير وفي اسرع وقت.
فليس من المنطقي ان تتجاهل البنوك ملايين من العملاء المستهدفين و اصحاب الاحتياجات الظاهرة و الواضحه و السهل التواصل معهم و الوصول لهم ، والأوقع أن يبدا قطاع التجزئة المصرفية في كل بنك بتكوين فرق مبيعات أون لاين تجوب صفحات و مواقع التواصل الاجتماعي لتروج لمنتجات البنك و تجذب عملاء جدد.
هناك العديد من المجتمعات الافتراضية Virtual Communities على صفحات التواصل الاجتماعي والتى تذخر بتساؤلات الجمهور و رغباته التى لا تجد مجيب لها الا من وجدها مصادفة ، بل أن صفحات البنوك ذاتها مليئة بتساؤلات من أفراد راغبون في التعامل مع البنوك ولا يجدون الا رد باهت مكرر من فرق ادارة تلك الصفحات يردد لهم لوائح البنك و مميزات منتجاته دون التحول من دور خدمة العملاء لدور المبيعات والفارق كبير جدا .
و الجدير بالذكر ان تكوبن تلك الفرق البيعية من شأنه ان ينمى اعمال التجزئة المصرفية بالبنوك بشكل كبير جدا ربما قد يفوق ما تحققه فرق البيع المباشر ، ناهيك عن ان مجتمعنا يتواجد على صفحات الفيس بوك اكتر من ساعات العمل مهما طالت ، وبالتالي فان الفرصة أكبر لجذب عملاء جدد من دهاليز الواقع الافتراضي.
* إدارة المعرفة Knowledge Management
وقبل ان اوضح كيف يمكن ان تكون عملية ادارة المعرفة داعمة لاعمال التجزئة المصرفية بالبنوك ، يجب ان اوضح باختصار الفارق بين المعرفة Knowledge و البيانات Data و المعلومات Information والذي قد يتخيل البعض انها عدة صور لذات الشيء رغم ان الاختلافات بين المصطلحات الثلاثة كبير جدا .
المعرفة هى نتاج خبرات او ممارسات مهنية او حياتية غير مخزنه او مصنفه ، وفي الغالب تكون مستقرة بعقول اصحاب تلك الخبرات و الممارسات ، اما البيانات هى ناتج استخراج المعرفه و تصنيفها و تبويبها و تحليلها للوصول للمرحلة الاخيرة الا وهى انتاج المعلومات ، ولهذا فان المعلومات هى نتاج تشغيل و تحليل تلك البيانات مما يعد المنتج النهائي الذي يحتاجه متخذ القرار.
رغم ان البعض قد لا يرى داع لتلك المقدمه الا ان المثال القادم سيظهر مدى اهمية ادارة المعلومات للبنوك و بالأخص لتعزيز أعمال التجزئة المصرفية.
في احد البنوك حيث يحتفظ العميل X برصيد لا يتجاوز ال ١٠ الاف جنيه ، فأن "البيانات" المسجلة على نظام الحاسب الآلي للبنك تصنف العميل ضمن فئة معينه ، في حين أن موظف الفرع أو مدير الفرع الذي يتعامل مع العميل بصوره دورية يعلم للعميل حسابات في بنك اخر برصيد تعدى ال ١٠ مليون ، أى ان التباين بين "البيانات" الوارده بنظام البنك و بين "المعرفة" الراسخه بعقل المصرفي قد أدى الى صورة خاطئة عن العميل X ، و عليه فأن ادارة المعرفة و استخراجها و تحويلها لقاعدة بيانات تكميلية من شأنه أن يعزز من قدرة البنك على اجتذاب ارصدة العميل من بنك منافس.
الأمر ينقلنا من مرحلة KYC الى KYD ، أى التحول من اعرف عميلك Know Your Customer الى أعرف بياناتك Know Your Data ، اى أنه على البنك التعامل مع العميل من الواقع الجديد الذي تكاملت فيه المعرفة مع البيانات لتعطي البنك صورة أوضح عن العميل ومن ثم يمكن للبنك تقديم عروض تفصيلية أكثر تميزا لعميله تطلعا لأجتذاب تعاملات مصرفية أكبر و أقوى.
ولأن المعرفة كامنه بعقول المصرفيين ، فأنها عرضه للضياع بسبب انتهاء العلاقه بين المصرفي و البنك بالاستقالة او بسبب التنقلات و حركات الترقي ، والأوقع ان تشكل ادارة جديدة تعمل على تغذية قاعدة عملاء التجزئة المصرفية بكم المعرفة الهائل الكامن بعقول المصرفيين من موظفي المكاتب الامامية.
* الأهتمام بالهوية الحيوية للعميل Dynamic Identity
البنوك في مصر تعتمد على الهوية الثابته Static Identity للتعرف على العملاء وهى البطاقة الشخصية او جواز السفر وهو ما يظهر الجانب الرسمي للعميل ولا يظهر اهتماماته و احتياجاته ، على عكس الهوية الحيوية Dynamic Identity وهى صفحة العميل على مواقع التواصل الإجتماعي ، حيث يمكن للبنك التعرف على العميل بشكل اعمق مما يمكن مبدعين تحليل البيانات من امداد مبتكرين و مطورين الخدمات المصرفية بمعلومات كثيفه تمكنهم من طرح خدمات مصرفية ترتكز على تحليل فعلي لأحتياجات العملاء و طموحاتهم .
بطاقة الرقم القومي لن تظهر أهتمامي بمتابعة أخبار المدارس الدولية على سبيل المثال ، لكن صفحتي على الفيس بوك قد تظهر ذلك و بالتالي يتمكن البنك من عرض خدماته التمويلية في مجال التعليم أعتمادا على أدراكه لحقيقة اهتماماتي.
* أنشاء قواعد البيانات الضخمه Big Data
وهنا لا أتحدث عن البيانات العشوائية الغير منظمه Unstructured Data ولكن اتحدث عن انشاء قاعدة بيانات ضخمه منظمة و مرتبطة بالعملاء الحاليين ، اى ان يقوم قطاع التجزئة المصرفية عن طريق الدراسات الاستقصائية ان يبني قاعدة بيانات لعملاء مستهدفين مرتبطين بالعملاء الحاليين ، مع طرح ميزات تفضيلية لهؤلاء المرتقبين أستنادا على علاقتهم بالعملاء الحاليين .
على سبيل المثال منح تخفيض على مصروفات الحساب الدورية للعميل B فقط لأنه أبن العميل A ، أو تخفيض مصاريف بطاقات الإئتمان للعميلة C كونها زوجة العميل A .
باتباع تلك الاستراتيجية سيتمكن البنك من بناء قاعدة بيانات ضخمه تمكنه من تطوير أعماله ، فضلا عن أستفادة العميل و ذوي الصلة بمميزات تفضيلية قد لا يتمكن من الحصول عليها في الظروف المعتاده.
أى ان الخدمات المصرفية للافراد ستتحول من كونها خدمه مصرفية عامه لتكون خدمه اقرب ما تكون للخصوصية لكل عميل ، او بالأحرى لكل فئة او كل مجموعة من العملاء ذوي التوجه المتشابه او الظروف و الإحتياجات المتشابهه ، فضلا عن خلق حالة من الولاء بين العملاء و البنك.
هناك العديد من اوجه بناء قواعد البيانات الضخمه المنظمه التى يمكن ان تضاعف الحصة السوقية للبنك في السوق و تضاعف حجم اعمال التجزئةالمصرفية فى فترات قصيرة جدا ... ولكن بالطبع لا يمكن مناقشة كل الطرق في مقال واحد.
ما سبق في رأيي هو الفرص الضائعة امام التجزئة المصرفية ، هى فرص موجوده بالفعل ... إحتياجات تنتظر الحل المصرفي ، و أتفاقيات ينقصها التوقيع ...
هى بمثابة شجر مثمر ينتظر اليد التى تسارع و تجني محصوله ...
ولا يمكن أن نغفل ان أستغلال التجزئة المصرفية لتلك الفرص بالطبع سينعكس بالإيجاب على قطاعات مصرفية اخرى كقطاع الشركات الصغيرة و المتوسطة على سبيل المثال لا الحصر ، فالتجزئة المصرفية هى القاطرة القادرة على تحريك القطاع أو العكس ...