هانى عادل يكتب ... الصيرفة اللاحدودية
الإثنين 04/مارس/2019 - 10:03 ص
الصيرفة اللا حدودية Borderless Banking ، أعلم أنه مصطلح غير مألوف ، وربما غير دارج كذلك في أي قاموس لغوي او مهني ، لكنه يعبر حرفيا عن ما يعايشه العالم الان ... حاولت الوصول لمصطلح أبسط ... ولكن المضمون فرض نفسه فرضا ... حيث انه بالفعل هذا عصر الصيرفة اللا حدودية ، الصيرفة التى لا تعترف بالحدود أو محدودية السوق ، الصيرفة المنطلقة كحصان بري جامح يجول أرجاء العالم و يتحدى كل العقبات و العراقيل ، الصيرفة المبنية على الابداع و التكنولوجيا و ليست الراقده على أطلال إنجازات الماضي .
في هذا العصر أصبح تصدير الخدمات المالية و المصرفية أسهل بكثير من تصدير المنتجات و المصنوعات ، لم تعد حدود السوق المحلى هى افق التوسع أمام البنوك و المؤسسات المالية ، بل لم تعد المؤسسات المالية فقط هى القادرة على توفير خدمات مالية و مصرفية ... المنافس التكنولوجي عنيف للغاية ومبتكر ، ولدية من المعرفه و التقنيات ما يمكنه من منافسة البنوك بقوة بل و التقدم عليها.
كيف لنا أن نواكب هذا التقدم الهائل من التطور التكنولوجي المالي و لدينا بنوك للأسف مازالت على حد الكفاف التقني ان جاز التعبير ؟ كيف لم تصدر حتى هذه اللحظه معايير تنظيمية و رقابية للحد الأدنى من الخدمات التكنولوجيه و الانظمه التقنيه الملزمه لكل البنوك و التي تتمشى مع معطيات و متطلبات العصر الحديث ؟ بل كيف لم تصدر إجراءات تشجيعية و تحفيزية لإطلاق العنان للبنوك القادرة على المنافسة العالمية ؟
و السؤال الأهم .. أين القطاع المصرفي المصري من المنافسة العالمية ؟
من خلال هذا المقال سألقي بعض الضوء عن ما وصل اليه العالم مصرفيا ، لعل ذلك يبرز حجم الفجوة التي تتسع بمعدلات مرعبة بين شكل الخدمات المصرفية لدينا و لدى أسواق أخرى ، سنناقش بعض النجاحات التي حققها الاخرون ، و نستعرض بعض الفرص التي لم نقتنصها بعد.
أن التوسع المصرفي عالميا يتخذ الطريق الرقمي نحو الانتشار ، فالبنوك الرقمية الجديدة تحقق في شهور ما لم تحققة البنوك التقليدية في سنوات ، و الفضل في ذلك يرجع لتوفير المناخ التنظيمي اللازم من اجل تحويل الابتكارات و الأفكار لكيانات أقتصادية و مالية عملاقه تتخطى حدود الدول و تتحدث باللغه الاكثر قبولا في العالم وهى لغة تطبيقات الهاتف المحمول.
البنوك الرقمية لا تملك تلك الشبكة المكلفة من الفروع و المكاتب و ليس لديها هذا الحجم الهائل من العماله ، فقط هى تعتمد على تقديم الخدمات المصرفية بشكل رقمي سلس مدعوم بتقنيات تكنولوجية قادرة على تغيير ثقافة العميل و صرف انتباهه عن التعامل مع البنوك التقليديه .
ولتوضيح الصورة ... تعالوا نتعرف على بعض تلك البنوك الرقمية و نناقش بأختصار قصص نجاحها ، لعلها تكون مصدر ألهام يدفعنا نحو المنافسه.
N26
قد يتخيل البعض انه N26 هو طراز حديث لأحد الهواتف المحمولة ، لكنه في الحقيقه أحد أنجح البنوك الرقمية في العالم.
تأسس البنك الرقمي N26 في برلين - ألمانيا في ٢٠١٣ كشركة ناشئة سرعان ما نجحت في إطلاق اولا منتجاتها في ٢٠١٥ .
البنك الذي لم يتجاوز عمره التشغيلي الخمس سنوات يضم فقط ٧٠٠ موظف و ينتشر في ٢٤ دولة أوروبية و نجح في جذب أستثمارات تجاوزت ٥٠٠ مليون دولار و يقدم خدماته لاكثر من ٢.٥ عميل .
و لم يكتفي البنك بالانتشار في أسواق اوروبا كامتداد اقليمي منطقي لنشاطه ، انما أعلن منذ عدة أيام عن اطلاق خدماته في السوق البرازيلي ، مع رؤية واضحه نحو أقتحام السوق الأمريكي خلال العام الجاري، و تقدر القيمه السوقية للبنك ب ٢.٧ مليار دولار .
ان زيارة موقع البنك على شبكة الانترنت يعد تجربة رائعه في حد ذاته ، فالموقع مصمم بطريقه عصرية بسيطه خاليه من التعيقدات و مريحة للعين.
و لأن كل عصر ألياته ، فقد أنتهج البنك سياسة مبتكرة للتسويق قائمة على تشجيع العامه من العملاء او حتى من غير العملاء للتسويق للبنك تحت برنامج يسمى السفراء Ambassadors ، و كذلك اطلق برنامج أخر مخصص للناشرين و المدونين يمكنهم من الاعلان عن البنك و خدماته في صفحات التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية مقابل برنامج حوافز مغري.
بالتاكيد لا أحتاج للاشارة الى ان فتح الحساب يتم بصورة رقمية و كأنه حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي .
Revolut
انطلق كشركة ناشئة في ٢٠١٥ في لندن - المملكه المتحده ، و تمتد أعماله الان لتغطى ١٠ دول اوروبية مع خطة توسعية تمتد ل ١٩ سوق اوروبي بالاضافة للسوق الأنجليزي .
البنك نجح في أجتذاب ٤ مليون عميل في تلك الفترة القصيرة و وصلت قيمته السوقية ل ٢٥ مليار جنية أسترليني.
و تتعدد خدمات البنك لتشمل باقات مختلفه من الخدمات المصرفية و تختلف المصروفات الأدارية الشهرية بأختلاف الباقه المصرفية و ما تحتوية من امتيازات و خدمات؛ وهو أسلوب مبتكر جديد في تقديم الخدمات المصرفية .
ولم تقتصر خدمات البنك الرقمي على الخدمات المصرفية بل أمتدت لتشمل بعض خدمات التأمين كذلك.
هكذا أصبح انتشار الخدمات المصرفية عالميا ، بالطبع هناك المزيد من الامثله التى قد تحتاج لعدة مقالات لسرد تفاصيل تجربتها ، ولكن الغرض هو توضيح فكرة الصيرفة اللا حدودية ، و عرض امثله ناجحه عالميا يمكننا منافستها حالا وقد لا نستطيع منافستها مستقبلا.
فأين قطاعنا المصرفي من ذلك ؟
فهل يعقل أن نتخلف عن سباق التكنولوجيا الماليه والتى مازالت في مهدها في مختلف دول العالم ؟ ماذا ننتظر حتى ننطلق نحو الانتشار العالمي المعتمد على التكنولوجيا الحديثة ؟
للأسف بعد جولة بين صفحات بعض البنوك الرقمية على شبكة الإنترنت و على مواقع التواصل الاجتماعي ، قمت بجولة مماثلة لمواقع بعض البنوك المصرية على شبكة الانترنت ، البعض بالفعل يثبت أن لديه الرؤية الصحيحه و يسير بخطوات قوية نحو التطور التكنولوجي ومستعد للمنافسه العالميه ، و البعض الاخر يبدو انه لم يخرج بعد من عبائة القرن الماضي.
في ٢٠١٩ مازال هناك بعض البنوك المصرية التى ليس لها أى تواجد يذكر على شبكات التواصل الاجتماعي ، فكيف لها أن تنجح فى التواصل المجتمعي ؟ وكيف لها أن تساهم في نشر الشمول المالي أذا كانت كمؤسسات تفتقد للشمول التكنولوجي ؟
كيف ندعو المجتمع للتحول للتعاملات و المدفوعات الالكترونية فين حين أن العديد من البنوك لا يوفر خدمات و تطبيقات مصرفية عبر الهاتف ؟
متى يمكن ان نرى أول بنك رقمي مصري يقتحم أسواق أفريقيا و شرق اوروبا و الخليج العربي ؟
ومتى يمكننى فتح حساب "أون لاين" دون الحاجه لزيارة بنك و توقيع عدة أوراق ؟
اعتقد اننا نحتاج بشدة الى أصدار قرارات تنظيمية موحده لكل البنوك توضح المعايير اللازمه للحد الأدنى من الخدمات الالكترونية الواجب توافرها في كل بنك ، وكذلك اصدار تراخيص و موافقات للبنوك المحلية الراغبة في تأسيس بنوك رقمية لتكون محطة انطلاق نحو الانتشار العالمي ، و تعديل القوانين المنظمه لفتح الحسابات المصرفية و توفير المرونه الكافية لتحقيق الشمول المالي دون الإخلال بقواعد مكافحة غسل الأموال و تمويل الارهاب.
أن موجة التكنولوجيا الماليه عاتيه ، و سيصلنا أثرها بأسرع مما يتخيل البعض ، فأما أن نكون من المشاركين فيها ، او نصبح من المستهلكين لها و لمنتجاتها ... و من لا يصدق سرعة أنتشار التطبيقات التكنولوجيه عليه قرائة الاسطر القليله السابقه ليرى حجم الأنجازات التى نجح في تنفيذها الاخرون في خلال مدة زمنية محدوده جدا.