إسرائيل تخفض ضخ الغاز والقاهرة جاهزة بالبدائل.. شركاء إقليميين وأسعار مميزة واكتشافات ضخمة

الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي

أعلنت إسرائيل بشكل مفاجئ خفض كميات الغاز الطبيعي المصدر إلى مصر، في توقيت بالغ الحساسية، يتسم بارتفاع قياسي في درجات الحرارة وزيادة غير مسبوقة في استهلاك الكهرباء، تحت ذريعة تنفيذ أعمال صيانة في البنية التحتية الخاصة بالتصدير، وعلى الرغم من أن هذه التطورات قد تشكل ضغوطًا كبيرة على سوق الطاقة المصري، فإن الحكومة المصرية تعاملت معها بهدوء وثقة، مستندة إلى بنية تحتية قوية وخطط استراتيجية مدروسة تؤهلها لتجاوز هذه التحديات.

إلا أن مصر لم تعد في موضع التلقي أو الاستجابة للضغوطات، خاصة بعدما أصبحت فاعلًا إقليميًا مؤثرًا في ملف الطاقة، وأثبتت أنها لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تتحرك استباقيًا وتؤمن احتياجاتها بشروطها وبالسعر الذي تختاره، وليس بما يفرض عليها.

تفاصيل الخفض الإسرائيلي ومبرراته الرسمية

تقلصت كميات الغاز المصدر إلى مصر بنسبة 50%، لمدة أسبوعين متتاليين، بدعوى إجراء أعمال صيانة في خطوط التصدير، بحسب ما أعلنت عنه الحكومة الإسرائيلية.

ولم تكتف تل أبيب بذلك، بل قررت أيضًا تقليص إجمالي صادراتها لمصر خلال شهور الصيف بنسبة 20%، مبررة القرار بزيادة الاستهلاك المحلي داخل إسرائيل نتيجة موجات الحر المرتفعة، ليلقي القرار بظلاله على عدد من القطاعات الإنتاجية في مصر، خاصة قطاع الأسمدة والبتروكيماويات، الذي يعتمد على الغاز كمادة خام أساسية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، لم تبدي الحكومة المصرية أي توتر أو ارتباك في إدارتها للملف، بل تعاملت وفق رؤية متكاملة تضع في اعتبارها تقلبات الإقليم وتداخلات المصالح.

خطط بديلة مدروسة واتفاقات طويلة الأجل

تعكس الاستجابة المصرية مستوى من الجاهزية لا يمكن إنكاره. فقد سبق لوزارة البترول والثروة المعدنية أن أبرمت عدة تعاقدات مع شركات دولية كبرى، أبرزها شركتا شل البريطانية وتوتال إنرجيز الفرنسية، لاستيراد ما يقرب من 60 شحنة غاز طبيعي مسال خلال عام 2025. 

وتتميز هذه التعاقدات بشروط مالية غير مسبوقة، إذ تم الاتفاق على سقف سعري لا يتجاوز 14 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مع نظام سداد مرن يسمح بدفع 25% فقط من قيمة الشحنة مقدمًا، وتأجيل سداد النسبة المتبقية لمدة عام من تاريخ الاستلام.

كما وقّعت مصر عقودًا طويلة الأجل مع الجانب القطري، أحد أكبر المصدرين عالميًا للغاز الطبيعي المسال، مما يعزز من مرونة السوق المحلي المصري، ويقلل من الاعتماد على مصدر واحد، وتؤكد هذه الاتفاقيات أن مصر لم تنتظر وقوع الأزمة، بل استعدت لها مسبقًا، ونجحت في تنويع مصادر استيراد الغاز، مما يجعلها في موقف قوة لا في موضع استضعاف.

16 حقيقة مذهلة عن الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي - مصر

الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك

تكشف البيانات الرسمية أن إنتاج مصر اليومي من الغاز الطبيعي يتراوح حاليًا ما بين 4.1 و4.6 مليار قدم مكعب، في حين يتجاوز الاستهلاك المحلي 6.5 مليار قدم مكعب يوميًا، وقد يصل إلى أكثر من 7 مليارات في شهور الصيف التي تتسم بزيادة استهلاك الكهرباء، ويفرض الفارق الكبير بين الإنتاج والاستهلاك على الدولة استيراد كميات كبيرة من الغاز، سواء لتغطية احتياجات محطات الكهرباء أو لاستمرار تشغيل المصانع.

وفقًا للتقديرات الحكومية، فإن مصر تستهدف استيراد ما بين 155 إلى 160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال خلال عام 2024، بتكلفة قد تصل إلى نحو 9.5 مليار دولار، وتمتلك مصر وحدتي تغويز في العين السخنة وإدكو، تسمحان باستقبال الغاز المسال وتحويله إلى حالته الغازية قبل ضخه في الشبكة القومية.

كشوفات جديدة تعزز الاحتياطي القومي وتدعم الإنتاج

في تطور لافت، أعلن رئيس شركة تنمية الحقول، المهندس حسام زكي، عن اكتشاف حقل جديد في طبقة الألوجوسين، يحتوي على احتياطي يقدّر بنحو 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز، ليدرج ضمن أبرز الاكتشافات التي شهدتها البلاد خلال العام الجاري، إذ يفتح آفاقًا جديدة أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي مستقبلًا، كما يعزز من ثقة المستثمرين في قطاع الاستكشاف.

في المقابل، تسعى وزارة البترول إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية في عمليات البحث والتنقيب، خاصة في مناطق البحر المتوسط والدلتا، وهي مناطق أثبتت جدواها الاقتصادية العالية بعد اكتشاف حقل "ظهر" العملاق.

خطط توسعية في البنية التحتية ومصانع التغويز

تعمل مصر حاليًا على تدشين وحدة تغويز برية جديدة في مصنع إدكو، الذي كان متوقفًا عن التصدير خلال الشهور الماضية. وتُقدر تكلفة المشروع بما يتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار. 

وتهدف الوحدة إلى استقبال الغاز المسال المستورد، وتحويله إلى غاز طبيعي يمكن ضخه في الشبكة المحلية. وتبدأ الطاقة الإنتاجية للوحدة بنحو 750 ألف متر مكعب يوميًا، على أن ترتفع لاحقًا إلى مليون متر مكعب، وذلك لزيادة قدرة البلاد على استقبال الغاز المستورد دون الاعتماد على الوحدات العائمة فقط، مما يعزز من المرونة التشغيلية ويقلل من تكاليف التشغيل على المدى الطويل.

 ضرورة إنشاء مخزون استراتيجي وتنويع الشركاء

يرى خبراء الطاقة أن الأزمة الأخيرة تمثل إنذارًا بضرورة الإسراع في إنشاء مخزون استراتيجي من الغاز الطبيعي، شبيه بالمخزون الذي تمتلكه الدولة من السلع الأساسية كالقمح والزيت. 

ويؤكد الدكتور علي عبد النبي، الخبير في شؤون الطاقة، أن أكثر من 60% من إنتاج مصر من الغاز يذهب مباشرة إلى محطات الكهرباء، مما يتسبب في اختناقات عند ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال، محذرًا من الاعتماد المفرط على الغاز الإسرائيلي، مشددًا على أن التنوع في الشركاء هو الضمانة الحقيقية لاستقرار سوق الطاقة، في ظل تداخلات السياسة بالاقتصاد في منطقة شرق المتوسط.

أسعار الغاز دون مستوى 300 دولار لأول مرة منذ عامين! - تادامسا نيوز
غاز طبيعي 

مصر تكتب معادلتها الخاصة في ملف الطاقة

لم تكن أزمة خفض الغاز الإسرائيلي سوى اختبار جديد لقدرة الدولة المصرية على إدارة الملفات الاستراتيجية بثقة وحكمة، فبعيدًا عن الانفعالات أو ردود الفعل غير المحسوبة، جاءت الاستجابة المصرية هادئة ومدروسة، تعكس موقعًا مختلفًا لمصر في معادلة الطاقة الإقليمية، وأصبحت مصر قادرة على امتصاص الصدمات، والتحرك بخيارات متعددة، وفرض شروطها سواء على الموردين أو على السوق العالمية، بفضل ما تم اتخاذه من خطوات على مدار السنوات الماضية.

 

تم نسخ الرابط