ثورة الكول سنتر.. استثمارات بـ 3.5 مليار دولار تضع مصر على خريطة خدمات العملاء عالميًا

برزت مصر كوجهة عالمية لخدمات مراكز الاتصال (الكول سنتر)، حيث جذبت استثمارات ضخمة بقيمة 3.5 مليار دولار. هذه الثورة ليست مجرد أرقام، بل قفزة نوعية تضع مصر على خريطة صناعة خدمات العملاء العالمية.
بفضل البنية التحتية المتطورة، والقوى العاملة المؤهلة، والموقع الاستراتيجي، تحولت مصر إلى مركز جاذب للشركات العالمية التي تبحث عن كفاءة عالية وتكلفة تنافسية. في هذا السياق، نستعرض كيف أصبحت مصر رائدة في هذا القطاع الحيوي، وكيف تساهم هذه الاستثمارات في تعزيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل للشباب.
اللغة العربية.. سوق ناشئة في خدمات العملاء الدولية
تعد اللغة العربية خامس أكثر اللغات تحدثًا في العالم، مع أكثر من 400 مليون ناطق أصلي وملايين آخرين من غير الناطقين بها، ووفقًا لتقديرات شركة "CSA Research"، فإن الشركات العالمية باتت تدرك أن التوسع الحقيقي في الأسواق الشرق أوسطية وشمال إفريقيا لا يتم دون خدمات دعم عملاء احترافية باللغة العربية.
ويُظهر تحليل أجرته شركة "Statista" عام 2024 أن عدد مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تجاوز 250 مليون مستخدم، وهو ما يعني ارتفاعًا مضطردًا في حجم المعاملات الرقمية التي تتطلب خدمات دعم فوري باللغة الأم.
الطلب العالمي على الكول سنتر العربي.. نماذج وشركات
خلال السنوات الأخيرة، أطلقت شركات عالمية مثل Amazon وTeleperformance وTTEC وMajorel وحدات متخصصة لتقديم خدمات الكول سنتر باللغة العربية، واللافت أن كثيرًا من هذه الشركات بدأت في توظيف متحدثين بالعربية من خارج العالم العربي، لا سيما في دول مثل الهند والفلبين، إلا أن الأفضلية ما زالت تُمنح للمتحدثين الأصليين من مصر ودول المشرق والمغرب العربي.
وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يُقدر عدد المواطنين من أصول عربية بأكثر من 3.5 مليون نسمة، ما أدى إلى بروز طلب حقيقي على خدمات عملاء باللغة العربية، خاصة في مجالات التأمين والرعاية الصحية والتجارة الإلكترونية، ووفقًا لمنصة ZipRecruiter، فقد ارتفعت فرص وظائف خدمة العملاء للناطقين بالعربية عن بُعد بنسبة 42% خلال عام واحد فقط.
الرواتب.. فرص متتعوضش للناطقين بالعربية
تعد الرواتب المقدمة في وظائف الكول سنتر باللغة العربية مجزية نسبيًا، لا سيما في الوظائف الدولية التي تُقدم عن بُعد، مثالاً، تعرض شركة Agoda راتبًا شهريًا يبلغ حوالي 390 دولارًا لموظفيها من مصر في وظائف الكول سنتر باللغة العربية، مع امتيازات إضافية تشمل التأمين والمكافآت.
أما محليًا، فتتراوح الرواتب في مصر بين 6,000 إلى 13,000 جنيه شهريًا، بحسب الخبرة ونوع الحساب (محلي أو دولي)، وفي بعض الشركات الكبرى مثل Teleperformance وSutherland وEtisalat Global Services، قد تصل الرواتب إلى 15,000 جنيه مع الحوافز.
مصر كمركز إقليمي للكول سنتر.. أرقام تتحدث
مصر تعد من أبرز الدول التي تقدم خدمات الكول سنتر والتعهيد (outsourcing) في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد صنّفها تقرير "AT Kearney" لعام 2023 في المرتبة الثالثة عالميًا في مؤشر جذب خدمات التعهيد، متقدمة على دول مثل الفلبين والمكسيك.
ووفقًا لبيانات هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA)، فإن هناك عدة أرقام تعكس التحول الكبير:
- عدد العاملين في قطاع الكول سنتر والتعهيد في مصر تجاوز 120 ألف موظف.
- تُصدّر مصر خدمات الدعم الفني وخدمة العملاء لأكثر من 100 دولة بـ20 لغة مختلفة.
- الاستثمارات الأجنبية في القطاع تجاوزت حاجز الـ3.5 مليار دولار بحلول نهاية 2024.
- أكثر من 80 شركة عالمية ومحلية تعمل في القطاع، من بينها IBM، Vodafone، Sykes، Raya Contact Center، Teleperformance.
وقد أطلقت الحكومة المصرية، بالتعاون مع ITIDA، مبادرات لتحفيز هذا القطاع، من بينها مبادرة "مستقبلنا رقمي" لتأهيل الشباب للعمل في مجالات التعهيد وخدمات العملاء الرقمية.
متوسط الرواتب لموظفي الكول سنتر في مصر (2024–2025)
- المبتدئون: تتراوح الرواتب بين 5,000 إلى 7,000 جنيه شهريًا.
- ذوو الخبرة: قد تصل الرواتب إلى 13,000 جنيه شهريًا.
- الوظائف ثنائية اللغة (عربي وإنجليزي): تتراوح الرواتب السنوية بين 90,837 إلى 146,130 جنيه، أي ما يعادل 7,500 إلى 12,000 جنيه شهريًا.
- الوظائف الدولية عن بُعد: بعض الشركات الدولية تقدم رواتب بالدولار، مثل Agoda التي تقدم راتبًا أساسيًا يصل إلى 390 دولار شهريًا، يُدفع بالجنيه المصري وفقًا لسعر الصرف.
أمثلة على أماكن توظيف الكول سنتر في مصر
- Teleperformance: تقدم وظائف لحسابات عربية برواتب تصل إلى 6,000 جنيه شهريًا، مع توفير وسائل نقل ومزايا إضافية.
- شركات القرية التكنولوجية بأكتوبر والمعادي: تقدم وظائف لحسابات عربية برواتب تصل إلى 7,400 جنيه شهريًا.
- شركات في قطاع البنوك: تقدم وظائف كول سنتر برواتب تصل إلى 12,000 جنيه شهريًا.
لماذا مصر؟ .. مميزات تنافسية لافتة
ما يضيف ميزة تنافسية مهمة وقوية لمصر في مجالات التعهيد أو كول سنتر، هو وفرة الكوادر البشرية المؤهلة، حيث يصل عدد الخريجين الجامعيين سنويًا نحو المليون طالب، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، نسبة كبيرة منهم يتقنون الإنجليزية والفرنسية والعربية.
سبب آخر يبرز في هذا الصدد، هو تكلفة تشغيل منخفضة، إذ تُعد تكلفة توظيف عامل كول سنتر في مصر أقل بنسبة 60–70% مقارنة بنظيره في أوروبا أو أمريكا الشمالية، إضافة إلى موقع جغرافي مثالي، مما يسمح بالعمل عبر مختلف المناطق الزمنية، من أمريكا حتى آسيا.
رغم النمو الكبير، يواجه القطاع تحديات تتعلق بالاحتفاظ بالموظفين، وتحسين بيئة العمل، ورفع جودة التدريب، لكن بالمقابل، تُشير التوقعات إلى أن سوق خدمات التعهيد في مصر سيواصل التوسع، خاصة مع توجه الشركات نحو الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ما يخلق فرصًا جديدة لتوظيف الكوادر المصرية في دعم تقني متقدم بلغات متعددة، أبرزها العربية.