الدولار يسقط أمام الجنيه.. علامات على تحسن اقتصادي مستدام وسياسة نقدية متزتة

شهدت الأسواق المالية في مصر مؤخرًا تراجعًا ملحوظًا في سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، ما أثار موجة من التساؤلات والاهتمام الواسع لدى الخبراء والمواطنين على حد سواء.
وارتفع سعر الجنيه المصري في مواجهة الدولار، ما يعني فعليًا "انهيارًا" نسبيًا لقيمة الدولار في السوق المصري وهذا التغير اللافت في سعر الصرف لا يمكن اعتباره مجرد حركة اعتيادية، بل يشير إلى متغيرات اقتصادية عميقة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
تحسن اقتصادي
يرى عدد من المحللين أن تراجع الدولار أمام الجنيه قد يكون مؤشرًا على تحسن تدريجي في أداء الاقتصاد المصري، وخاصة مع إعلان البنك المركزي المصري عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وزيادة التحويلات المالية من الخارج، وتحسن بعض المؤشرات الأساسية مثل معدل النمو ومعدل التضخم.
ووفقًا لتقارير رسمية، ارتفع صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، مما ساهم في تعزيز قدرة البنك المركزي على إدارة سوق الصرف، وتوفير العملات الأجنبية للقطاعات الحيوية مثل الاستيراد والقطاع الصناعي.
كما لعبت الاتفاقيات التمويلية الأخيرة مع عدد من المؤسسات الدولية دورًا كبيرًا في تخفيف الضغط على الجنيه المصري.
العرض والطلب.. العامل الحاسم
في سوق العملات، يبقى قانون العرض والطلب هو الفيصل ومع تزايد المعروض من الدولار في السوق المحلي – نتيجة لتحسن تدفق العملة الصعبة من السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج – في مقابل استقرار أو تراجع الطلب عليه، أصبح من الطبيعي أن تتراجع قيمة الدولار.
وقال خبراء، إن "تحركات الدولار في السوق المصرية ترتبط بعوامل كثيرة، منها ما هو داخلي، مثل إدارة البنك المركزي لسعر الصرف والسياسات النقدية، ومنها ما هو خارجي، مثل السياسات الأمريكية، وأسعار الفائدة، وحركة رؤوس الأموال العالمية".
الآثار الاقتصادية المتوقعة
لكن ماذا يعني تراجع الدولار فعليًا للمواطن المصري؟ وهل ستكون آثاره إيجابية بالكامل؟ الجواب ليس بسيطًا، إذ يتوقف على طبيعة العلاقة بين العملة المحلية والاقتصاد الحقيقي.
من الناحية الإيجابية فإن انخفاض الدولار قد يؤدي إلى تراجع نسبي في أسعار بعض السلع المستوردة، وهو ما قد يخفف من أعباء التضخم على المواطنين.
كما أن قوة الجنيه قد تعزز من القدرة الشرائية وتمنح الاقتصاد المصري فرصة لالتقاط أنفاسه، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء والطاقة.
كما يمكن لهذا الانخفاض أن يشجع على توطين الصناعة المحلية، إذا ما استُخدم كفرصة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحفيز الاستثمار في التصنيع والإنتاج المحلي.
اتجاه دائم أم مؤقت؟
رغم الأثر الإيجابي الظاهري لهذا التغير في سعر الصرف، إلا أن البعض يحذر من أن هذا التحسن في قيمة الجنيه قد يكون مؤقتًا أو مرتبطًا بإجراءات إدارية مؤقتة أو ضخ سيولة دولارية كبيرة في السوق بشكل غير مستدام.
وفي هذا السياق، قال خبراء: "السؤال الأهم ليس لماذا تراجع الدولار، بل إلى متى سيستمر هذا التراجع، وهل يعتمد على أسس اقتصادية حقيقية؟" وأن "أي استقرار طويل الأمد في سعر الصرف يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة في الاقتصاد، وتعزيز القدرة الإنتاجية، وزيادة الصادرات".
وتراجع الدولار أمام الجنيه المصري يمثل تطورًا لافتًا في المشهد الاقتصادي المصري، يحمل بين طياته فرصًا وتحديات وإن استغلال هذه اللحظة يتطلب سياسات اقتصادية متوازنة، واستمرارًا في الإصلاحات، وحوارًا مفتوحًا بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع.