مصر بين الدين والنمو.. تحديات الإصلاح في ميزان الصندوق

أثار التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي بشأن توقعات الديون الخارجية لمصر تفاعلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية، بعدما أشار إلى احتمالات تجاوز إجمالي الديون حاجز الـ200 مليار دولار خلال خمس سنوات، في وقت تحاول فيه الدولة التوفيق بين التزاماتها المالية ومتطلبات النمو الاقتصادي المستدام.
في خضم مسار إصلاحي معقد، تواجه مصر تحديات مالية كبيرة تتعلق بإدارة الدين الخارجي واحتياجات التمويل، في ظل التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، ووسط مساعٍ حثيثة لضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي، ويمثل الدين أحد أبرز ملفات النقاش، لا سيما بعد توقعات الصندوق بارتفاعه، على الرغم من التفاؤل بتراجع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة.
وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يرتفع الدين الخارجي لمصر من 162.7 مليار دولار في يونيو 2025 إلى نحو 202 مليار دولار بحلول يونيو 2030، بزيادة تقارب 40 مليار دولار خلال خمس سنوات، ورغم هذه الزيادة في القيمة المطلقة، فإن التقرير يشير إلى تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 46% إلى 34% في نفس الفترة، وهو ما يعكس، بحسب الصندوق، نموًا اقتصاديًا محتملًا قد يسهم في امتصاص هذا العبء وتقليل تأثيره على الاقتصاد الكلي.
التوسع الإنتاجي
من جانبه، قال الدكتور أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي، إن زيادة الدين الخارجي خلال الفترة المقبلة لا ترتبط فقط بزيادة الاقتراض، بل أيضًا بارتفاع التزامات سداد الأقساط والفوائد المستحقة، إلى جانب تطبيق اشتراطات الصندوق التي تتطلب تخارجًا تدريجيًا للحكومة من بعض الأنشطة الاقتصادية.
وأوضح أن "التوسع في الدين ليس خطيرًا في حد ذاته إذا ما قورن بالناتج المحلي ونُظِر إليه في سياق خطة إصلاح شاملة، بشرط أن تُوجَّه القروض لمشروعات إنتاجية حقيقية قادرة على توليد عائد يسهم في خدمة الدين ذاته".
أدوات الدين لا تحقق الاستدامة
وأضاف أن "الاعتماد المستمر على أدوات الدين لتغطية العجز أو النفقات الجارية لا يحقق الاستدامة، بل يُراكم الضغوط المالية على المدى الطويل"، مؤكدًا أن "الحل الأكثر واقعية هو في تحفيز الاستثمار المحلي، وزيادة معدلات الإنتاج، وتوسيع القاعدة التصديرية، وهو ما يخفف من الحاجة إلى التمويل الخارجي".
وشدد خزيم على أن خفض الدعم بشكل تدريجي، كما يوصي به الصندوق، يجب أن يترافق مع شبكات حماية اجتماعية فعالة، حتى لا تتأثر الفئات الأكثر هشاشة، مشيرًا إلى أهمية التوازن بين الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية.
نظرة مستقبلية
يرى محللون أن قدرة مصر على تخفيف عبء الدين تتوقف على نجاحها في تنفيذ إصلاحات هيكلية تدعم النمو وتقلل الاعتماد على الاستدانة، وهو ما يتطلب استقرارًا سياسيًا، واستثمارات فعالة، وبيئة اقتصادية محفزة للقطاع الخاص.
ومع استمرار التعاون مع صندوق النقد، تبقى التحديات قائمة، لكن الفرصة لا تزال متاحة لتحقيق نمو متوازن يضمن الوفاء بالالتزامات المالية دون تحميل الاقتصاد أعباء غير مستدامة.