الذهب الأخضر.. كيف هيمنت المكسيك على عرش الأفوكادو العالمي؟

في قلب الأسواق العالمية، تتربع فاكهة الأفوكادو على عرش الطلب المتزايد، ليس فقط كمكون غذائي غني بالفوائد الصحية، بل كرمز للرفاهية والمأكولات العصرية، وفي هذا العالم المتعطش لـ"الذهب الأخضر"، تبرز المكسيك كقوة لا تضاهى، تسيطر على إنتاج وتصدير الأفوكادو بلا منازع.
ومن مزارع ولاية ميتشواكان الخصبة إلى موائد العالم، تقود المكسيك ثورة زراعية تحمل في طياتها قصص نجاح اقتصادي وتحديات اجتماعية وبيئية معقدة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نغوص في أعماق هذه الهيمنة، مستكشفين الأسباب، والتحديات، والتأثيرات العالمية لسيطرة المكسيك على سوق الأفوكادو.
هيمنة المكسيك على الإنتاج العالمي
وتعد المكسيك المنتج الأول للأفوكادو في العالم، حيث تنتج حوالي 1.52 مليون طن متري سنويًا، أي ما يقارب ثلث الإنتاج العالمي، حيث تغطي مزارع الأفوكادو في المكسيك، خاصة في ولايات ميتشواكان وبويبلا وموريلوس وناياريت، مساحة تزيد عن 415,520 فدانًا.
وولاية ميتشواكان بمفردها تسهم بنحو 80% من إجمالي الإنتاج المكسيكي، مما يجعلها معقل هذه الصناعة، وهذه السيطرة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة مزيج من الظروف المناخية المثالية، التربة البركانية الخصبة، والخبرة الزراعية المتوارثة عبر أجيال.
وفي عام 2024، بلغت قيمة صادرات الأفوكادو المكسيكي أكثر من 2.8 مليار دولار، مع تصدير كميات ضخمة إلى الولايات المتحدة، التي تستورد حوالي 120 ألف طن خلال موسم بطولة السوبر بول وحدها.
وهذا الطلب المتزايد، خاصة في أمريكا الشمالية، دفع السوق الإجمالي للأفوكادو ليصل إلى 22.69 مليار دولار في 2024، مع توقعات بأن ينمو إلى 35.55 مليار دولار بحلول 2029 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.4%.

العوامل الدافعة للهيمنة
وتعود سيطرة المكسيك إلى عدة عوامل، أولها المناخ الملائم في ميتشواكان، حيث تتيح درجات الحرارة المعتدلة والأمطار الموسمية زراعة الأفوكادو على مدار العام، بالإضافة إلى الطلب العالمي المتزايد على الأفوكادو، الذي يعتبر مصدرًا غنيًا بالفيتامينات (A، B، C، E، K) ومضادات الأكسدة، دفع المكسيك لتوسيع إنتاجها لتلبية احتياجات الأسواق في الولايات المتحدة، وأوروبا، وآسيا.
كما أن اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (NAFTA) سابقًا واتفاقية USMCA حاليًا، سهلت تصدير الأفوكادو إلى الولايات المتحدة بتكاليف منخفضة.
حرب الأفوكادو
ولكن هذه الهيمنة لا تأتي دون ثمن، ففي ولاية ميتشواكان، أصبح الأفوكادو هدفًا لعصابات المخدرات التي تسعى للسيطرة على هذا "الذهب الأخضر"، حيث تفرض هذه العصابات رسوم حماية على المزارعين، وتستولي على بساتين، بل وتخوض حروبًا دامية استخدمت فيها أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة، مما تسبب في نزوح 35 ألف شخص.
وهذه الصراعات، المعروفة بـ"حرب الأفوكادو"، أدت إلى مقتل العديد من المزارعين وتدمير مزارع، مما يهدد استدامة هذه الصناعة.

وعلى الجانب البيئي، تسبب الإنتاج المكثف للأفوكادو في تدهور التنوع البيولوجي، وتآكل التربة، وتلوث المياه بسبب الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة، كما أن إزالة الغابات لتوسيع المزارع أثرت سلبًا على دورة المياه الطبيعية والأنواع المحلية.
تأثير اقتصادي واجتماعي
ورغم التحديات، يبقى الأفوكادو محركًا اقتصاديًا قويًا، حيث يوفر إنتاجه آلاف الوظائف في ميتشواكان ومناطق أخرى، ويعزز دخل المزارعين المحليين. لكن التفاوت الاقتصادي يظل واضحًا، حيث تستحوذ الشركات الكبرى والعصابات على جزء كبير من الأرباح، بينما يعاني المزارعون الصغار من الابتزاز والتهديدات.
وفي المقابل، يسعى المزارعون إلى حماية مزارعهم من خلال تشكيل مجموعات مسلحة للدفاع الذاتي، مما يعكس الوضع الأمني المعقد في المنطقة.
التوقعات المستقبلية
ومع استمرار نمو الطلب العالمي على الأفوكادو، تواجه المكسيك فرصًا وتحديات جديدة، ومن المتوقع أن تظل الولايات المتحدة السوق الرئيسية، لكن الأسواق الناشئة في آسيا، مثل الصين والهند، بدأت تشهد زيادة في الطلب.
وفي الوقت ذاته، يتعين على الحكومة المكسيكية معالجة التحديات الأمنية والبيئية لضمان استدامة هذه الصناعة. مبادرات مثل تعزيز الأمن في ميتشواكان وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة قد تكون مفتاح الحفاظ على هيمنة المكسيك.
وتعد سيطرة المكسيك على سوق الأفوكادو العالمي قصة نجاح اقتصادي ممزوجة بتحديات عميقة، ومن مزارع ميتشواكان إلى أسواق العالم، يبقى الأفوكادو رمزًا للفرص والصراعات في آن واحد.