ثورة خضراء في قلب الصحراء.. مصر تزرع القطن طويل التيلة في سيناء لأول مرة

في قلب صحراء سيناء، حيث تلتقي الرمال الذهبية بأحلام الإنسان العنيد، كتبت مصر فصلًا جديدًا في تاريخها الزراعي، ولأول مرة نجحت جهود علماء مركز البحوث الزراعية ومعهد بحوث القطن في زراعة القطن طويل التيلة في بيئة صحراوية قاسية بمدينة الطور بجنوب سيناء.
وهذا الإنجاز ليس مجرد حدث زراعي، بل ثورة استراتيجية تفتح آفاقًا جديدة للتنمية الزراعية المستدامة، وتعزز مكانة مصر كرائدة في إنتاج القطن عالي الجودة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض تفاصيل هذا الإنجاز التاريخي، وكيف تحولت الأراضي الرملية إلى حقل واعد يحمل في طياته مستقبلًا زراعيًا مشرقًا.
تفاصيل الإنجاز الزراعي
وتحت رعاية الدكتور خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، وبالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ومركز البحوث الزراعية، نجحت تجارب زراعة القطن في صحراء الطور بجنوب سيناء، في خطوة وصفت بـ"غير المسبوقة".
وهذه التجربة، التي استمرت عدة أشهر، أثبتت إمكانية زراعة القطن طويل التيلة في الأراضي الرملية، وهي بيئة كانت تقليديًا غير ملائمة لهذا المحصول الذي ارتبط دائمًا بالأراضي الطينية.
وفقًا لتصريحات الدكتور عادل عبدالعظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية، تم استخدام ستة تراكيب وراثية، منها ثلاثة أصناف معروفة: سوبر جيزة 86، وسوبر جيزة 94، وسوبر جيزة 97، إلى جانب ثلاثة تراكيب وراثية جديدة.
وهذه الأصناف أظهرت قدرة استثنائية على تحمل الجفاف، الملوحة، ودرجات الحرارة المرتفعة، مما يتماشى مع التحديات المناخية التي تواجهها المنطقة.
وقد تم جني المحصول الأول بعد 127 يومًا فقط من الزراعة، وهو زمن قياسي يعزى إلى ارتفاع درجات الحرارة في جنوب سيناء واستخدام تقنيات الري بالتنقيط والتسميد الملائم.

دور البحث العلمي
وأشاد الدكتور علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بجهود الباحثين والعلماء، مؤكدًا أن "البحث العلمي هو قاطرة التنمية الزراعية"، وهذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة أبحاث وتجارب ميدانية مكثفة استهدفت تطوير أصناف قطن قادرة على التكيف مع الظروف الصحراوية القاسية.
وقد ساهمت تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، واختيار التربة المناسبة في تسريع نمو المحصول، حيث أشار تقرير إلى أن القطن المزروع في سيناء بلغ في 70 يومًا مرحلة نمو تعادل 100 يوم في مناطق أخرى.

أهمية الإنجاز
ويحمل هذا الإنجاز دلالات اقتصادية وبيئية عميقة، والقطن المصري طويل التيلة، الذي يعد من أجود أنواع القطن عالميًا، يتميز بجودته العالية وصلاحيته لصناعات الغزل والنسيج وإنتاج الزيوت.
ونجاح زراعته في بيئة صحراوية يعني إمكانية التوسع في استصلاح الأراضي الرملية، مما يعزز الأمن الغذائي والاقتصادي في مصر، كما أن هذا المشروع يفتح آفاقًا جديدة أمام المزارعين في جنوب سيناء، حيث يمكنهم الاستفادة من المحصول لتحسين دخلهم وزيادة الإنتاجية.
وأكد الدكتور مصطفى عمارة، المتحدث الرسمي باسم معهد بحوث القطن، أن موسم القطن الحالي يعد استثنائيًا، رغم التحديات الدولية التي أثرت على أسعار المحاصيل الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن هذا النجاح يعكس قدرة الكوادر البحثية المصرية على ابتكار حلول مبتكرة تتناسب مع التغيرات المناخية.
خطط مستقبلية
ولم يتوقف الطموح عند هذا الإنجاز، إذ أعلن مركز البحوث الزراعية عن خطط لتعميم هذه التجربة في محافظات أخرى، مع تدريب المزارعين على استخدام أحدث تقنيات الري والزراعة لضمان تحقيق أعلى إنتاجية وجودة.
كما يهدف المشروع إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية في المناطق الصحراوية، مما يسهم في تحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وزراعة القطن طويل التيلة في صحراء سيناء ليست مجرد إنجاز زراعي، بل رمز لقدرة مصر على تحدي الصعاب وتحويل المستحيل إلى واقع، وهذا المشروع يعكس التكامل بين العلم والتطبيق العملي، ويبرز دور البحث العلمي في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
ومع استمرار هذه الجهود، تتجه مصر نحو تعزيز مكانتها كمركز عالمي لإنتاج القطن عالي الجودة، مع فتح آفاق جديدة للتنمية في أراضيها الصحراوية.