من قلب القاهرة إلى شوارع لندن.. كيف غزت الأتوبيسات المصرية العالم؟

في قلب مصر ووسط زخم التحول الصناعي، تكتب القاهرة فصلاً جديدًا في قصة نهضتها الاقتصادية عبر صناعة الأتوبيسات، ولم تعد الأتوبيسات مجرد وسيلة نقل، بل أصبحت رمزًا للابتكار والاستدامة، حاملة شعار "صنع في مصر" إلى شوارع لندن ودول الخليج وأفريقيا.
وفي عام 2025، تشهد هذه الصناعة طفرة غير مسبوقة، مدفوعة بسياسات توطين الصناعة، وشراكات عالمية، وتركيز على التكنولوجيا النظيفة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نأخذكم في جولة عميقة داخل عالم صناعة الأتوبيسات في مصر، مستعرضًا أحدث التطورات، الأرقام، والطموحات التي تضع مصر على خريطة الصناعة العالمية.
زخم السوق المحلي ونمو مذهل في المبيعات
وخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، سجلت سوق الأتوبيسات المصرية نموًا استثنائيًا بنسبة 54.4%، حيث بلغت المبيعات 5,557 وحدة مقارنة بـ3,598 وحدة في نفس الفترة من عام 2024، وفقًا لتقرير مجلس معلومات سوق السيارات "أميك".
وفي يوليو 2025 وحده، قفزت المبيعات بنسبة 76.2% إلى 1,133 وحدة، مما يعكس الطلب المتزايد والثقة في المنتج المحلي، وهذا النمو يعزى إلى تراجع الاعتماد على الواردات وزيادة الإنتاج المحلي، حيث استحوذت الأتوبيسات المجمعة محليًا (CKD) على 86.8% من إجمالي المبيعات خلال يناير وفبراير 2025، بإجمالي 1,141 وحدة، بينما تراجعت مبيعات الأتوبيسات المستوردة بنسبة 65.1% إلى 173 وحدة فقط.
توطين الصناعة
وتتبنى مصر استراتيجية طموحة لتوطين صناعة الأتوبيسات، بقيادة توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تهدف إلى تقليل الاستيراد وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
وشركات مثل "النصر للسيارات" و"قسطور مصر" و"MCV" تقود هذا التحول، حيث تصل نسبة المكون المحلي في بعض الأتوبيسات إلى أكثر من 80%.
وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة قسطور عن تعاونها مع "فوتون" الصينية لإنتاج أتوبيسات كهربائية محليًا خلال 2024، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1,000 أتوبيس سنويًا بتكلفة مليار جنيه.
كما وقعت مصر اتفاقية مع "فولفو" السويدية لتصنيع أتوبيسات كهربائية بنسبة تصنيع محلي تصل إلى 50%، مع خطط لتصديرها إلى أوروبا.

الأتوبيسات الكهربائية خطوة نحو المستقبل
وتأتي الأتوبيسات الكهربائية في صدارة التوجه نحو النقل النظيف، تماشيًا مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وفي يونيو 2025، بدأ تشغيل المرحلة الأولى من مشروع الأتوبيس الترددي السريع (BRT) على الطريق الدائري بالقاهرة، بطول 35 كيلومترًا و14 محطة، باستخدام أتوبيسات كهربائية من طراز "ستي باص" المصنعة محليًا.
وهذه الأتوبيسات، التي تتميز بسعة تصل إلى 200 راكب ومسارات منعزلة، تمثل بديلاً حديثًا للميكروباصات التقليدية، مع أسعار تذاكر تتراوح بين 5 و15 جنيهًا، كما أنتجت شركة MCV بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي أول أتوبيس كهربائي مصري بنسبة تصنيع محلي 60%، مع تصميم كامل بأيدٍ مصرية.
"صنع في مصر" يغزو العالم
ولم تكتف مصر بتلبية احتياجات السوق المحلي، بل أصبحت مركزًا إقليميًا لتصدير الأتوبيسات، ومصانع مثل MCV في مدينة الصالحية الجديدة تنتج حوالي 80% من إجمالي الأتوبيسات في السوق المصري، وتصدر حوالي 3,000 وحدة سنويًا إلى دول مثل إنجلترا، والسعودية، ودول أفريقيا.
والأتوبيسات ذات الطابقين، التي تعد رمزًا للندن، تصنع الآن في مصر بمواصفات عالمية تشمل كابينات زجاجية للسائقين، أنظمة دفع إلكتروني، ومميزات لذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا النجاح عزز مكانة مصر كقاعدة صناعية تنافسية، حيث أشاد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بجودة التصنيع في أتوبيسات شركة النصر السياحية.
كما أن التوجه نحو زيادة الإنتاج المحلي وتطوير الصناعات المغذية، مثل البطاريات وأنظمة الشحن، يعزز التفاؤل، والحكومة تدعم هذا القطاع بحوافز استثمارية وشراكات مع القطاع الخاص، كما أكد النائب أحمد الخشن، عضو لجنة الطاقة والبيئة، أن توطين صناعة الأتوبيسات الكهربائية سيسهم في بناء اقتصاد أكثر استدامة.
وصناعة الأتوبيسات في مصر ليست مجرد قصة نجاح اقتصادي، بل هي شهادة على قدرة الأيدي المصرية على الابتكار والمنافسة عالميًا، ومع تزايد الطلب المحلي والعالمي، وتوسع الشراكات الدولية، تتجه مصر نحو أن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة النقل النظيف.
وفي عام 2025، يتجلى الطموح المصري في كل أتوبيس يحمل شعار "صنع في مصر"، سواء على طرقات القاهرة أو شوارع لندن، معلنًا عن عصر جديد من الريادة الصناعية.