سرعة غير مسبوقة.. لماذا يعد خفض زمن الإفراج الجمركي طفرة اقتصادية لمصر؟

في خطوة تعكس التزام مصر بتحسين بيئة الأعمال ورفع التنافسية الاقتصادية، يعد خفض زمن الإفراج الجمركي أحد أبرز الإصلاحات الجمركية الراهنة، حيث يشير هذا الإجراء إلى تقليص المدة اللازمة لإفراج البضائع المستوردة أو المصدرة عن الإجراءات الجمركية، من أسابيع إلى أيام أو حتى ساعات، مما يسرع تدفق التجارة ويقلل التكاليف اللوجستية.
ووفقًا لتقارير حديثة، تستهدف مصلحة الجمارك خفض هذا الزمن إلى يومين فقط بنهاية 2025، في إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض المعنى العميق لهذا الإصلاح، الإنجازات المحققة، والتأثيرات المتوقعة على الاقتصاد المصري.
ما هو الإفراج الجمركي ولماذا يعد خفض زمنه أمرًا حاسمًا؟
والإفراج الجمركي هو العملية الرسمية التي تسمح بإدخال أو إخراج البضائع من الموانئ والمنافذ الجمركية بعد دفع الرسوم والضرائب، وإجراء الفحوصات اللازمة لضمان الامتثال للمعايير الصحية والأمنية، وفي السابق، كان هذا الإجراء يستغرق أسابيع، مما يؤدي إلى تراكم البضائع، ارتفاع التكاليف، وتعطيل سلاسل الإمداد.
وخفض زمن الإفراج يعني تبسيط هذه الإجراءات عبر الرقمنة والتنسيق بين الجهات الحكومية، مثل مصلحة الجمارك، هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، والحجر الزراعي.
ويأتي هذا الإصلاح كجزء من استراتيجية وطنية لتحويل الموانئ من "أماكن تخزين" إلى "بوابات عبور سريعة"، كما أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، في تصريحات سابقة.
ويعني ذلك تقليل الاعتماد على الإجراءات الورقية، واعتماد نظام "النافذة الواحدة" الإلكتروني الذي يربط 27 جهة حكومية لإنهاء الإجراءات في مكان واحد، وهذا التحول ليس مجرد إجراء فني، بل هو أداة لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يحسن ترتيب مصر في تقرير "جاهزية الأعمال" الصادر عن البنك الدولي، الذي يعد مرجعًا للمستثمرين العالميين.
الإنجازات المحققة في خفض زمن الإفراج الجمركي
وشهدت مصر تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال خلال العامين الماضيين، ففي عام 2021، كان متوسط زمن الإفراج يصل إلى 16 يومًا، لكنه انخفض إلى 8 أيام بحلول يوليو 2025، وفقًا لتصريحات أحمد أموي، رئيس مصلحة الجمارك.
أما في بعض المنافذ مثل موانئ بورسعيد والعين السخنة، فقد بلغ المتوسط 4-5 أيام بحلول يونيو 2025، كما أفادت تقارير البنك الدولي.
ومن أبرز الإنجازات تنفيذ 29 إجراءً إصلاحيًا بالتعاون بين وزارة الاستثمار والمالية، أعلن عنها المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار، في اجتماع تشاوري في سبتمبر الجاري، وتشمل هذه الإجراءات: تفعيل منظومة المخاطر الشاملة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الشحنات، والفحص العشوائي الإلكتروني، وتعديل اللائحة التنفيذية لقانون الجمارك لقبول التوكيلات الملاحية الإلكترونية.

كما أدى تشغيل "نافذة الإلكترونية" في 95% من المنافذ إلى خفض الزمن بنسبة 75% في بعض الحالات، كما أكد حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار.
في ورشة عمل استراتيجية عقدتها مصلحة الجمارك خلال الشهر الجاري، أكد الدكتور سامي رمضان، نائب رئيس المصلحة، أن هذه الجهود جزء من تكليفات القيادة السياسية لتعزيز الاستثمارات الأجنبية، بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وأمريكا.
كذلك، أفرجت الجمارك عن بضائع بقيمة 27.2 مليار دولار منذ بداية 2025 حتى مايو، بما في ذلك 11 مليار دولار من مستلزمات الإنتاج.
الجهود الحكومية والشراكات الدولية في دعم الإصلاح
وتأتي هذه الإصلاحات بدعم مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وجه في اجتماعات سابقة بتبسيط الإجراءات للوصول إلى المعايير الدولية، كما أفادت الهيئة العامة للاستعلامات.
وفي فبراير 2025، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارًا بتشكيل لجنة عليا لتوحيد الإجراءات في الموانئ، مما ساهم في تقليل الزمن إلى أقل من يومين.
وعلى الصعيد الدولي، وقعت مصر اتفاقية مع السعودية في ديسمبر 2024 لتقليص الزمن إلى 3-4 ساعات بين البلدين، من خلال الاعتراف المتبادل بالمشغلين الاقتصاديين المعتمدين، مما يعزز التجارة الثنائية.
كما عقدت اجتماعات موسعة في فبراير 2025 بين وزراء الاستثمار والمالية ووزيرة التنمية المحلية لتطوير منظومة الرقابة، مع التركيز على التنسيق مع 27 جهة حكومية.
تأثير خفض زمن الإفراج الجمركي على الاقتصاد المصري
ويترجم خفض زمن الإفراج إلى فوائد اقتصادية ملموسة، حيث يقلل التكاليف اللوجستية بنسبة تصل إلى 75%، مما يخفض أسعار السلع الاستهلاكية ومستلزمات الإنتاج، ويحفز الصناعة المحلية.
وعلى سبيل المثال، أدى التراجع من 15 يومًا إلى 2-7 أيام إلى خفض غرامات التأخير، مما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
وثانيًا يجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث أكد عصام النجار، رئيس هيئة الرقابة على الصادرات، في أغسطس 2025 أن هذا الإصلاح سيسرع الإنتاج ويقلل التضخم.
وثالثًا يدعم النمو الاقتصادي، فمصر بموقعها الاستراتيجي، تشارك في 70 اتفاقية تجارة حرة، مما يفتح أسواقًا لـ3 مليارات نسمة.
ويتوقع الخبراء أن يرفع هذا الإصلاح تصنيف مصر إلى أفضل 50 دولة في "جاهزية الأعمال" بحلول 2026.
ويتوقع استكمال التحول الرقمي الكامل بنهاية 2025، مع الوصول إلى زمن إفراج لا يتجاوز 24 ساعة في المنافذ الرئيسية، كما يخطط لتوسيع الشراكات الدولية، بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي، لتعزيز التصدير.
ويمثل خفض زمن الإفراج الجمركي في مصر نقلة نوعية نحو اقتصاد أكثر كفاءة وجاذبية، ومع استمرار الجهود الحكومية، ستتحول مصر إلى مركز لوجستي إقليمي رائد، يدعم التنمية المستدامة ويحقق مستهدفات رؤية 2030.