السياحة البحرية تفتح آفاقاً جديدة لقناة السويس رغم التحديات

شهدت قناة السويس خلال السنوات الأخيرة طفرة في السياحة البحرية، ما ساعدها على تنويع مصادر الدخل رغم التحديات التي تواجهها حركة الملاحة التجارية نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية، فقد توسعت القناة في استقبال السفن السياحية، وكان أبرزها مرور السفينة التركية Aroya ثلاث مرات خلال عام 2025، لتؤكد القناة على مكانتها ليس فقط كممر تجاري عالمي، بل أيضاً كوجهة سياحية بحرية متنامية.
وبحسب بيانات هيئة قناة السويس، فقد استقبلت القناة خلال السنوات الأربع الماضية نحو 69 سفينة سياحية، محققة إيرادات تجاوزت 15 مليون دولار، وهو ما يمثل مؤشراً إيجابياً في وقت يعاني فيه العالم من تراجع حركة التجارة بسبب النزاعات الإقليمية.
ويعول الفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة، على هذا النشاط في تعزيز إيرادات القناة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع التوقعات بوصول عدد السياح القادمين عبر السفن البحرية إلى 38 مليون سائح عالمياً في 2025، وارتفاع العدد إلى 40 مليون سائح بنهاية 2026.
تصريحات رئاسية
ورغم هذه الطفرة السياحية، لا يمكن تجاهل التحديات القائمة، فقد كشف الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال تفقده منشآت قناة السويس أن الدولة المصرية فقدت نحو 9 مليارات دولار من إيرادات القناة خلال عامين نتيجة التوترات التي تشهدها المنطقة، وما ترتب عليها من تغييرات في مسارات السفن العالمية.
وأكد السيسي أن الاقتصاد المصري يسير بشكل جيد رغم هذه الظروف الصعبة، مشدداً على أن الحفاظ على استقرار الدولة يمثل أولوية قصوى، موضحًا أن تقدير الموقف الاستراتيجي بدقة أمر ضروري لفهم أهمية استمرار دعم المشروعات القومية الكبرى، وفي مقدمتها قناة السويس، التي ستظل شرياناً حيوياً للتجارة الدولية.
رؤية وزارة المالية
وفي خطٍ موازٍ، أوضح نائب وزير المالية أحمد كوجك أن مصر تكبدت خسائر تُقدر بنحو 145 مليار جنيه من إيرادات القناة خلال السنة المالية 2024-2025 نتيجة اضطرابات البحر الأحمر، مؤكدًا أن الحكومة تعاملت بمرونة مع هذه التحديات عبر سياسات مالية منضبطة وتعاون وثيق بين الجهات المعنية لتلبية احتياجات المواطنين.
وأشار كوجك إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر بلغ 4.5% خلال العام المالي المنصرم، وهو ما يعكس قدرة الاقتصاد على الصمود، كاشفا عن خطط لطرح 3 إلى 4 سندات دولية جديدة خلال السنة المالية الحالية، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر التمويل وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري.
دمج التجارة والسياحة
يرى خبراء أن السياحة البحرية تمثل الوجه الجديد لتعويض الخسائر التجارية في قناة السويس، فبينما تراجعت حركة السفن العابرة بفعل النزاعات والتوترات الإقليمية، فإن الاهتمام المتزايد من شركات السياحة البحرية يعكس ميزة تنافسية جديدة للقناة، خاصة مع الموقع الجغرافي الفريد لمصر كمحور يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.
وتسعى الهيئة إلى الاستثمار في تطوير الموانئ والمناطق اللوجستية الداعمة، إضافة إلى التوسع في خدمات البنية التحتية لاستقبال مزيد من السفن السياحية، ويُنتظر أن يشكل هذا التوجه إضافة نوعية للأنشطة الاقتصادية في القناة، إلى جانب تعزيز دور المنطقة الاقتصادية المحيطة بها كمركز عالمي للتجارة والصناعة.
ما بين خسائر بالمليارات نتيجة للاضطرابات الدولية، وفرص واعدة تنمو في قطاع السياحة البحرية، تقف قناة السويس عند نقطة توازن دقيقة، فتصريحات الرئيس السيسي وأحمد كوجك تعكس إدراك الدولة لحجم التحديات، وفي الوقت نفسه الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على تجاوزها، ومع مواصلة الاستثمار في البنية التحتية وتنويع مصادر الدخل، قد تتحول القناة إلى مركز متعدد الأبعاد يجمع بين التجارة العالمية والسياحة البحرية والاستثمارات اللوجستية، لتبقى أحد أعمدة الاقتصاد المصري ومحوراً استراتيجياً في حركة التجارة الدولية.