التضخم في مصر بين التراجع المرحلي وضغوط الوقود.. خيارات صعبة أمام المركزي

يظل ملف التضخم في مصر في صدارة المشهد الاقتصادي خلال الفترة الراهنة، خصوصاً مع اقتراب انعقاد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في اجتماعها المرتقب نهاية الأسبوع الجاري، ورغم التراجع النسبي لمعدل التضخم في أغسطس، إلا أن توقعات المحللين تشير إلى ضغوط مرتقبة جراء القرارات المرتبطة برفع أسعار الوقود، ما يضع صناع السياسة النقدية أمام معادلة معقدة بين الاستمرار في سياسة التيسير النقدي أو تبني نهج أكثر تحفظاً.
تراجع نسبي في المعدلات الرسمية
أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي في مدن مصر سجل 12% خلال أغسطس 2025، مقابل 13.9% في يوليو، وهو ما يمثل تراجعاً نسبياً يوفر مساحة أوسع أمام البنك المركزي للتحرك. هذا الانخفاض جاء بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذها البنك، حيث خفّض أسعار الفائدة بواقع 525 نقطة أساس منذ بداية العام، كان آخرها خفضاً بواقع 200 نقطة أساس في اجتماع أغسطس الماضي.
ورغم أهمية هذا التراجع، إلا أن الخبراء يؤكدون أنه لا يعكس بعد تغيراً جوهرياً في الضغوط التضخمية، بل قد يكون نتيجة عوامل مؤقتة مرتبطة بأسعار الغذاء أو استقرار نسبي في أسعار الصرف خلال الشهرين الماضيين.
ضغوط الوقود
على الجانب الآخر، تترقب الأسواق قرار الحكومة المرتقب برفع أسعار الوقود تدريجياً خلال أكتوبر المقبل، في إطار التزاماتها بتقليص فاتورة الدعم. ويُتوقع أن يؤدي ذلك إلى ضغوط مباشرة على أسعار النقل والسلع، وبالتالي انعكاس واضح على معدل التضخم خلال الربع الأخير من العام، وهذه الضغوط تجعل البنك المركزي أمام معضلة: هل يستمر في مسار خفض الفائدة لدعم النشاط الاقتصادي والاستثمار، أم يثبت أسعار الفائدة لحماية الجنيه ومنع انفلات التضخم؟
رؤية المحللين
في هذا السياق، أكد هاني جنينة، خبير اقتصادي، أن البنك المركزي ما زال يمتلك "مساحة لخفض جديد لأسعار الفائدة يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس، دون أن يتعارض ذلك مع مسار التضخم".
وأضاف في تصريحات خاصة أن "هذا الهامش قد يتلاشى مؤقتاً مع عودة التضخم للارتفاع مدفوعاً برفع أسعار الوقود في أكتوبر المقبل".
وبحسب تقديراته، قد يسجل معدل التضخم مستويات 13.5% إذا تسارعت الزيادة في أسعار الطاقة، إلا أن الفارق مع سعر الفائدة سيظل كبيراً، وهو ما يعني بقاء العائد الحقيقي موجباً حتى في حال إجراء خفض إضافي للفائدة.
التوازن بين التضخم والنمو
يعكس الموقف الحالي معضلة تقليدية في السياسة النقدية: دعم النمو عبر خفض تكلفة الاقتراض من جهة، وحماية استقرار الأسعار من جهة أخرى، ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتحفيز النشاط الاقتصادي وجذب الاستثمارات، فإن أي تسارع جديد في التضخم قد يقوض هذه الجهود عبر رفع تكاليف المعيشة وزيادة الضغوط على الأجور.
ويرى محللون أن القرار المقبل للبنك المركزي سيكون اختباراً لمدى قدرته على التوفيق بين هذين المسارين، خاصة في ظل استمرار التحديات الخارجية المرتبطة بتقلبات أسعار النفط عالمياً وتشديد السياسات النقدية في عدد من الاقتصادات الكبرى.
توقعات المدى القصير والمتوسط
من المرجح أن يظل التضخم في نطاق يتراوح بين 12 و14% خلال الأشهر المقبلة، مع احتمالية ارتفاع مؤقت في أكتوبر ونوفمبر بفعل تعديل أسعار الوقود. أما على المدى المتوسط، فإن مسار التضخم سيعتمد بدرجة كبيرة على استقرار سعر الصرف وتطورات أسعار الغذاء والطاقة في الأسواق العالمية.
وفي حال تمكن البنك المركزي من إدارة هذه الضغوط دون فقدان السيطرة على التضخم، فقد يواصل نهج التيسير النقدي بشكل تدريجي، بما يدعم أهداف النمو ويعزز ثقة المستثمرين.