الاقتصاد المصري.. بين تعافي المؤشرات المحلية وتحديات الأسواق العالمية

يشهد الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة حالة من الحراك الإيجابي على أكثر من صعيد، مدفوعًا بالإصلاحات المالية والنقدية التي اتخذتها الدولة، وبالتطورات الدولية التي أعادت رسم خريطة التجارة والاستثمار، ومع اقتراب نهاية عام 2025، تتجه أنظار المستثمرين إلى أداء القطاعات الاستراتيجية، في ظل تحسن نسبي بمؤشرات التضخم وسعر الصرف وارتفاع عوائد بعض المصادر الدولارية مثل السياحة والتحويلات.
ملامح التحسن الاقتصادي
في هذا السياق، أوضح محمد كمال، الخبير الاقتصادي، أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة انتقالية مهمة، حيث بدأت نتائج السياسات النقدية تظهر على شكل استقرار في أسعار السلع الأساسية وتراجع معدلات التضخم مقارنة بذروتها خلال 2023، مضيفًا أن أبرز ملامح التحسن تظهر في عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصًا في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة، وهو ما يعكس تنامي ثقة المستثمرين الدوليين في السوق المصري.
وأشار كمال في تصريحات خاصة لـ"سمارت فاينانس" إلى أن تحسن إيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج يلعبان دورًا محوريًا في دعم الاحتياطي النقدي، وهو ما يمنح الاقتصاد مرونة في مواجهة أي صدمات خارجية محتملة. كما شدد على أهمية تعزيز الاستثمار المحلي بجانب الأجنبي، من خلال تقديم حوافز للقطاع الخاص وتذليل العقبات البيروقراطية، حتى يكون النمو مستدامًا ومعتمدًا على قوى السوق الداخلية.
تعافي الاقتصاد
من جانبه، أكد هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، أن العوامل الدولية أسهمت بدور كبير في دفع الاقتصاد المصري نحو التعافي، مشيرًا إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة على واردات من الصين وتركيا دفعت عددًا من الشركات العالمية لإعادة توجيه استثماراتها نحو مصر، باعتبارها مركزًا إنتاجيًا قريبًا من الأسواق الأوروبية وقادرًا على المنافسة في الكلفة.
ولفت جنينة إلى أن التضخم سجل في أغسطس نحو 12%، مع توقعات بمزيد من التراجع في سبتمبر، لكنه حذر من عودة الضغوط التضخمية مع الزيادة المرتقبة في أسعار الطاقة.
وأضاف أن هذه المعطيات تجعل قرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة في غاية الحساسية، متوقعًا خفضًا تدريجيًا من 23% حاليًا إلى 21% بنهاية العام، بما يحقق التوازن بين تحفيز النمو والحفاظ على جاذبية الجنيه كوعاء ادخاري.
التدفقات الاستثمارية
وفيما يتعلق بسعر الصرف، رجح جنينة أن يظل الدولار بين 45 و47 جنيهًا في المدى القريب، مؤكدًا أن استمرار التدفقات الاستثمارية وعائدات السياحة والغاز الطبيعي سيساعد على استقرار السوق. لكنه شدد على أن أي هزة في هذه المصادر قد تؤثر على قدرة الجنيه في الحفاظ على استقراره النسبي.
أما عن البورصة المصرية، فقد اعتبرها جنينة مرآة لحالة الاقتصاد، مشيرًا إلى أن بعض القطاعات مثل الأدوية والصناعات الغذائية باتت تمثل فرصًا واعدة، بينما يواجه القطاع العقاري ضغوطًا مرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الطلب.
واختتم الخبراء بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيجًا من الانضباط المالي والمرونة النقدية، مع التركيز على توسيع قاعدة الإنتاج المحلي، وإذا ما استمرت هذه السياسات على المسار نفسه، فإن الاقتصاد المصري قد يدخل في دورة نمو أكثر استدامة، تعززها زيادة القدرة الشرائية وتوسع الطبقة الوسطى خلال الأعوام المقبلة.