مصر تنفذ المشروع الأضخم في العالم.. قناة الدلتا الجديدة لزراعة الصحراء الغربية

في خطوة جريئة نحو تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، تتقدم مصر بثبات في تنفيذ مشروع "الدلتا الجديدة"، الذي يعد واحداً من أضخم الأعمال الصناعية في التاريخ الحديث، حيث يركز المشروع على استصلاح أكثر من 2.2 مليون فدان من أراضي الصحراء الغربية، مع بناء قناة خرسانية مسلحة طولها 51 كم داخل المياه بالكامل، لنقل المياه إلى مناطق قاحلة تحولت إلى جنة خضراء.
ووفقاً لآخر التحديثات، بلغ تقدم القناة أكثر من 85%، مع توقعات بإكمالها الكامل بحلول نهاية العام الحالي، مما يعزز من قدرة مصر على زراعة مئات الآلاف من الأفدنة الجديدة وتقليل الاعتماد على الاستيراد الزراعي بنسبة تصل إلى 30%.
ويأتي هذا المشروع ضمن رؤية مصر 2030، حيث يجمع بين الابتكار الهندسي والاستدامة البيئية، ليصبح نموذجاً عالمياً في مواجهة تحديات الجفاف والنمو السكاني.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض تفاصيل المشروع وآخر التطورات، مستندين إلى البيانات الرسمية وتقارير حديثة من وزارة الموارد المائية والري، وجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة.
مشروع الدلتا الجديدة أبعاد عملاقة لاستصلاح الصحراء
ويمتد مشروع الدلتا الجديدة على مساحة تقارب 9,240 كيلومتراً مربعاً، تغطي محافظات الجيزة، البحيرة، مطروح، والفيوم، ويمتد غرب دلتا النيل القديمة جنوب منطقة الضبعة، حيث يهدف إلى تحويل الرمال القاحلة إلى أراضٍ زراعية منتجة، باستصلاح 2.2 مليون فدان، ما يعادل 23% من الرقعة الزراعية الحالية في مصر، أو حجم 4 إلى 5 محافظات كاملة.
ووفقاً لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يونيو 2025، سيوفر المشروع نحو 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مع التركيز على المجتمعات الزراعية المتكاملة التي تشمل التصنيع الزراعي والثروة الحيوانية.
وبدأ المشروع كمبادرة رئاسية في 2016، لكنه شهد تسريعاً هائلاً في السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا وأزمة الحبوب العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يعتمد على استغلال المياه الجوفية منخفضة الملوحة، ومياه الصرف الزراعي المعالجة، ومياه النيل عبر قنوات متقدمة.
وحتى مارس 2025، تم استزراع أكثر من 450 ألف فدان، مع خطط للوصول إلى 4 ملايين فدان بحلول 2027، مما يجعل مصر قادرة على مواجهة التحديات المناخية العالمية.
أضخم قناة خرسانية مسلحة في العالم
وتشكل القناة الرئيسية، المعروفة باسم "قناة الحمام" أو جزء من "النهر الصناعي الجديد"، العمود الفقري للمشروع، وطولها 51 كم، وهي مبنية بالكامل داخل المياه لتقليل التبخر والفاقد، باستخدام خرسانة مسلحة عالية الجودة لتحمل الضغوط الهيدروليكية والظروف الصحراوية القاسية.
وهذه القناة جزء من نظام أكبر يمتد إلى 114 كم، ينقل 7.5 مليون متر مكعب يومياً من مياه النيل ومياه الصرف المعالجة إلى قلب الصحراء الغربية.
ووفقاً لتقارير وزارة الموارد المائية في أغسطس 2025، اكتمل بناء 85% من القناة، مع تركيب 13 محطة طلمبة رئيسية وخزانات تخزين بسعة 350 ألف متر مكعب.

والتصميم الهندسي يعتمد على تقنيات حديثة مثل الأنابيب المغمورة لمسافة 26 كم، و16 كم مفتوحة، مما يضمن نقل 10 ملايين متر مكعب يومياً في المرحلة الأولى، وهذا النهر الصناعي، الذي يعد الأكبر عالمياً، يمتد موازياً للنيل، ويقدر تكلفته بنحو 160 مليار جنيه، لكنه يوفر موارد مائية تعادل 6.2 مليار متر مكعب سنوياً.
وأكدت هيئة الشؤون الهندسية للقوات المسلحة أن القناة ستغطي 800 ألف فدان في الجنوب الغربي، مع دمجها في مشروع "نهر النيل الجديد" الذي يصل إلى مدن مثل 6 أكتوبر وسفنكس.
وهذا الإنجاز لم يأت عبثاً، فقد حازت محطة معالجة مياه الحمام، المرتبطة بالقناة، على 4 جوائز غينيس كأكبر محطة في العالم بسعة 7.5 مليون متر مكعب يومياً، مما يعزز كفاءة النظام بنسبة 90%.
تقدم ملموس في التنفيذ والإنتاج
ومع اقتراب نهاية 2025، أظهرت الأقمار الصناعية تقدماً هائلاً في المشروع، حيث تحولت 2.3 ألف كيلومتر مربع من الأراضي القاحلة إلى مناطق مزروعة
وفي فبراير 2025، أعلن جهاز مستقبل مصر عن إكمال استصلاح 4.5 ملايين فدان عبر 7 مشاريع فرعية، بما في ذلك "مستقبل مصر" الذي زرع 350 ألف فدان باستخدام 2,600 جهاز ري محوري.
كما تم بناء 500 كم من الطرق الداخلية، وشبكة كهرباء بطول 200 كم، ومحطتين طاقة بسعة 350 ميغاواط، وفي يونيو 2025، أكدت التقارير الحكومية أن المشروع حقق إنتاجاً استراتيجياً من القمح والذرة، مما ساهم في تقليل فاتورة الاستيراد بنسبة 15% خلال الموسم الشتوي.
أما في أغسطس، فقد أبرز المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن المشروع يعزز التنمية الصناعية من خلال إنشاء مدينتي "جريان" و"سفنكس"، مع جذب استثمارات أجنبية بلغت 5 مليارات دولار.
أهمية المشروع للأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية
ويعد مشروع الدلتا الجديدة ركيزة أساسية للأمن القومي، حيث يواجه نقص المياه المتوقع بحلول 2025، الناتج عن التغيرات المناخية وسد النهضة الإثيوبي.
ويركز على زراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح، الذرة الصفراء، بنجر السكر، والخضروات، مع إنتاج يصل إلى 30% إضافي من الإجمالي الزراعي.
واقتصادياً يقلل من فجوة الاستيراد الغذائي، ويخلق مجتمعات عمرانية تجذب السكان من الدلتا المكتظة، مما يحقق توازناً سكانياً، وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد على تقنيات مستدامة مثل الري الحديث لترشيد الاستهلاك بنسبة 40%، ومعالجة ثلاثية للمياه لتجنب الملوحة.
ووفي سياق عالمي، يصنف المشروع كأحد أبرز الإنجازات في مكافحة التصحر، معتمداً على شراكات دولية مع البنك الدولي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
ومع إكمال قناة الدلتا الجديدة، تثبت مصر قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، محققة أمناً غذائياً وتنمية اقتصادية مستدامة.