هل يقود تراجع واردات القمح بنسبة 24% مصر نحو الاكتفاء الذاتي الكامل؟

سجلت واردات مصر من القمح تراجعًا ملحوظًا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 بنسبة 24%، لتصل إلى نحو 8.2 مليون طن مقارنةً بـ10.8 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ويأتي هذا التراجع في وقت تعمل فيه الحكومة المصرية على تقليص الاعتماد على الاستيراد عبر توسيع الرقعة الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب الاستراتيجية، وفقًا لمصادر مطلعة.
روسيا تتصدر قائمة المورّدين
احتلت روسيا المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدّرة للقمح إلى مصر خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2025، بحصة بلغت 57% من إجمالي الواردات، وبكمية تقارب 4.6 مليون طن، وفقًا للبيانات الرسمية، وتأتي هذه الهيمنة الروسية على واردات القمح المصرية امتدادًا لسنوات من التعاون التجاري بين البلدين في هذا المجال، إذ تُعد روسيا المورد الأكثر استقرارًا من حيث الأسعار والكميات.
أسباب تراجع الواردات
وأوضحت المصادر أن انخفاض واردات القمح يرجع في المقام الأول إلى تراجع التيسيرات المالية المقدمة من الجهات التمويلية الدولية التي كانت تدعم شراء القمح التمويني، موضحًا أن بعض المؤسسات خفّضت تسهيلات الائتمان الخاصة بعمليات الشراء خلال العام الجاري، ما قلل من حجم التعاقدات الجديدة.
الحكومة تراهن على الإنتاج المحلي
يتزامن هذا التراجع في الواردات مع توجه حكومي واضح نحو تعزيز الإنتاج المحلي من القمح وتقليص فجوة الاستهلاك. وتستهدف وزارة الزراعة، وفق تصريحات الوزير علاء فاروق، زراعة 3.5 مليون فدان قمح خلال موسم 2025 مقارنة بـ3.1 مليون فدان في الموسم الماضي، بهدف إنتاج نحو 10 ملايين طن من القمح المحلي هذا العام، ويمثل هذا التوسع في المساحات المزروعة خطوة مهمة ضمن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، التي تسعى إلى تحقيق اكتفاء ذاتي جزئي من القمح خلال السنوات القليلة المقبلة، وتقليل فاتورة الواردات التي تستهلك مليارات الدولارات سنويًا من النقد الأجنبي.
مصر بين أكبر مستوردي القمح عالميًا
رغم هذا التراجع النسبي في الواردات، لا تزال مصر أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، حيث تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجات القطاعين الحكومي والخاص، وتصل مشترياتها عادةً إلى نحو 12 مليون طن سنويًا، وتُعد مشتريات القاهرة من القمح مؤشرًا عالميًا تتابعه الأسواق الدولية عن كثب، نظرًا لتأثيرها في حركة الأسعار العالمية واتجاهات التجارة في الحبوب.
توازن جديد في سوق القمح المصري
وتعمل الحكومة على تطوير منظومة التخزين والنقل لضمان تقليل الفاقد وتحسين جودة القمح المحلي، إضافة إلى زيادة القدرة الاستيعابية للصوامع الحديثة التي تغطي معظم المحافظات، وتراجع الواردات خلال عام 2025 لا يعكس بالضرورة انخفاضًا في الطلب، بل يشير إلى مرحلة إعادة هيكلة في إدارة ملف القمح، مع تركيز أكبر على الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، وبينما تستمر روسيا في لعب الدور الأكبر كمورّد رئيسي لمصر، تبقى السياسة الزراعية المصرية في سباق مع الزمن لتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من القمح، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تقلبات حادة في الأسعار والإمدادات.