باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية

النهر الجديد.. سلاح مصر الفعال ضد تهديدات سد النهضة

مشروع النهر الجديد
مشروع النهر الجديد

في ظل تصاعد التحديات المائية الناتجة عن تقلبات المناخ وسياسات إدارة المياه في أعالي النيل، كشفت مصر عن تسريع تنفيذ مشروع "النهر الجديد" كجزء أساسي من استراتيجيتها الوطنية لتعزيز الأمن المائي.

ويأتي هذا المشروع، الذي يعتبر أحد أضخم الإنجازات الهندسية في تاريخ البلاد، كرد فعل استباقي على الفيضانات التي وصلت إلى دلتا النيل خلال الأسابيع الماضية، والتي أرجعتها السلطات المصرية إلى "تصرفات أحادية متهورة" من جانب إثيوبيا في إدارة سد النهضة.

مع اقتراب نهاية موسم الفيضان في أكتوبر 2025، يبرز مشروع "النهر الجديد" كحلول مبتكرة لإعادة توجيه تدفقات المياه، مما يقلل من مخاطر الغمر ويضمن استدامة الري في المناطق الجديدة.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التفاصيل المتعمقة للمشروع، خلفيته، وتأثيره على التوازن الإقليمي.

شريان مائي موازٍ للنيل

وبدأت فكرة "النهر الجديد" كجزء من رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وتم إطلاقه رسميًا في 2023 ضمن برنامج "الدلتا الجديدة" الذي يهدف إلى استصلاح 2.2 مليون فدان زراعي جديد.

ومع ذلك، شهد المشروع تسريعًا ملحوظًا في 2025، خاصة بعد افتتاح سد النهضة الإثيوبي في سبتمبر الماضي، الذي أثار مخاوف من نقصان حصة مصر السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل. 
ويمتد المشروع على طول يزيد عن 170 كيلومترًا، من الدلتا الجديدة غرب الإسكندرية إلى مدينة الشيخ زايد غرب القاهرة، ويربط بين مصادر مياه النيل ومحطات معالجة متقدمة.

ووفقًا لتصريحات الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، فإن المشروع "يقوم على نقل جزء من مياه نهر النيل وجزء من مياه المصارف بعد معالجتها لاستخدامها مجددًا في الري"، مما يوفر نحو 10 ملايين متر مكعب يوميًا لري الأراضي الجديدة.

وكما يشمل إنشاء محطات رفع عملاقة وشبكات ري ذكية تعتمد على تقنيات التحكم الآلي، لتقليل الفاقد المائي بنسبة تصل إلى 30%.

ويعد هذا الشريان المائي الموازي للنيل خطوة استراتيجية لتخفيف الضغط على الفرعين الرئيسيين للنهر (رشيد ودمياط)، خاصة في ظل التقلبات المناخية التي أدت إلى زيادة الأمطار في حوض النيل الأزرق بنسبة 15% هذا العام.

تداعيات سد النهضة وحالة الطوارئ المائية

وشهدت مصر في أوائل أكتوبر الجاري موجة فيضانات غير مسبوقة، أدت إلى إعلان حالة طوارئ مائية في أربع محافظات شمالية: المنوفية، البحيرة، الغربية، والدقهلية، ولكنها تسببت في مشكلات فقط في أراضي طرح النهر نظرًا لأن الحكومة كانت مستعدة لذلك.

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن "الحكومة استعدت منذ فترة طويلة"، لكنه حذر من أن "معدلات التصريف المرتفعة قد تتجاوز المتوسط"، مشيرًا إلى أن السد العالي في أسوان ينظم التدفقات بفعالية، لكنه غير كافٍ أمام التفريغ المفاجئ من سد النهضة الذي بلغ 700 مليون متر مكعب يوميًا في بعض الأيام.

ووربطت وزارة الري المصرية هذه الفيضانات مباشرة بسد النهضة، معتبرة إياه "فيضانًا مفتعلًا" ناتجًا عن عدم التنسيق مع دول المصب.

سد النهضة الإثيوبي
سد النهضة الإثيوبي

وفي بيان رسمي صادر يوم 3 أكتوبر، اتهمت الوزارة إثيوبيا بـ"انتهاك القانون الدولي"، مطالبة بـ"اتفاقية ملزمة لتشغيل السد" لتجنب تكرار الكوارث التي ضربت السودان سابقًا في سبتمبر.

وأشارت التقارير إلى أن ارتفاع منسوب النيل الأزرق، الذي يشكل 59% من تدفق النيل، أدى إلى غمر 1100 فدان إضافية في الدلتا، مما يهدد محاصيل القطن والأرز الرئيسية.

تفاصيل فنية لمشروع "النهر الجديد"

ويصنف "النهر الجديد" كمشروع القرن في مجال الهندسة المائية، حيث يجمع بين الترع الطبيعية والقنوات الاصطناعية لنقل المياه من فرع رشيد عبر ترعة "تحيا مصر" بطول 41.3 كم، إلى مناطق التوسع الجنوبي مثل شرق العوينات.

والطول الإجمالي للجريان المائي يصل إلى 175 كم، مع قدرة نقل تصل إلى 5.5 مليار متر مكعب سنويًا، جزء كبير منها مياه معالجة من محطات بحر البقر والمحسمة.

كما يتضمن المشروع إنشاء 12 محطة رفع رئيسية، مجهزة بتقنيات الطاقة الشمسية لتقليل التكاليف التشغيلية، وشبكة أنابيب ذكية تراقب التدفقات عبر أجهزة استشعار IoT.

وواجه المشروع تحديات بيئية، مثل وجود مناطق مالحة في الدلتا الجديدة، إلا أن السلطات نجحت في توثيق ترع جديدة لتوفير مياه نقية، مما سمح بزراعة مليوني فدان إضافي.

ووفقًا لمصادر في وزارة الري، بلغ التقدم في التنفيذ 70% حتى سبتمبر 2025، مع ميزانية تقدر بـ20 مليار جنيه مصري، مدعومة بشراكات دولية مع الصين والاتحاد الأوروبي.

ويتوقع اكتماله الكامل بنهاية 2026، مما سيخلق آلاف فرص العمل ويعزز الصادرات الزراعية بنسبة 20%.

كيف يواجه "النهر الجديد" تبعات سد النهضة والفيضانات؟

ويعد المشروع درعًا دفاعيًا ضد آثار سد النهضة، الذي يقدر سعته بـ74 مليار متر مكعب، وقد أدى ملؤه الثاني إلى نقصان محتمل في حصة مصر بنسبة 10-15% خلال السنوات القادمة.

ومن خلال إعادة توزيع المياه، يقلل "النهر الجديد" من الاعتماد على التدفقات الرئيسية للنيل، ويحمي الدلتا من الفيضانات عبر قنوات تصريف احتياطية.

كما يساهم في مواجهة الجفاف الموسمي بتوفير مصادر مياه معالجة، مما يعزز الزراعة المستدامة ويقلل من فقدان المياه بالتبخر بنسبة 25%، حيث أكد الدكتور نادر نور الدين أن "التسمية مجازية، لكن الجوهر حقيقي: جريان مائي يضمن الاستقرار في عصر ما بعد سد النهضة".

الآثار الاقتصادية والبيئية

وسيؤدي "النهر الجديد" إلى زيادة الإنتاج الزراعي بنحو 5 ملايين طن سنويًا، مما يقلل فاتورة استيراد الغذاء البالغة 10 مليارات دولار.

وبيئيًا، يعتمد على ممارسات خضراء مثل إعادة استخدام 40% من المياه، مما يحافظ على التوازن البيئي في الدلتا.

ويمثل "النهر الجديد" نموذجًا للابتكار المصري في مواجهة التحديات الإقليمية، ومع استمرار التوترات حول سد النهضة، يثبت المشروع أن القاهرة قادرة على تحويل التهديدات إلى فرص، مضمونة الأمن المائي لأجيال قادمة. 

تم نسخ الرابط