انطلاقة جديدة.. مصر تعود للصدارة بأول زيادة في إنتاج الغاز منذ 3 سنوات
في خطوة تعكس عودة القطاع البترولي المصري إلى مساره الصاعد، أعلن وزير البترول والثروة المعدنية، كريم بدوي، أن إنتاج الغاز الطبيعي في مصر سجل أول زيادة منذ ثلاث سنوات خلال شهر أغسطس الماضي.
ويأتي هذا الارتفاع بنسبة 1% في الربع الثالث من 2025، ليصل الإنتاج اليومي إلى 4.2 مليار قدم مكعب، وفقًا لتقارير منصة MEES المتخصصة في شؤون الطاقة، وهذا الإنجاز، الذي أعلن عنه بدوي خلال الاجتماع الوزاري الـ27 لمنتدى الدول المصدرة للغاز (GECF) في الدوحة، يعزز من آمال الحكومة في استعادة الاكتفاء الذاتي وتعزيز دور مصر كمركز إقليمي للغاز.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض كيف نجحت الحكومة المصرية في تعديل الكفة من الإستيراد إلى زيادة الإنتاج.
مواجهة التحديات السابقة
وشهد إنتاج الغاز الطبيعي في مصر تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث انخفض من أكثر من 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا إلى حوالي 4.1 مليار قدم مكعب بحلول أوائل 2025، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في اجتماع مجلس الوزراء بأغسطس الماضي.
كان هذا التراجع ناتجًا عن عوامل متعددة، بما في ذلك الاستنزاف الطبيعي للحقول القائمة، مثل حقل ظهر الذي يساهم بنحو 23% من الإنتاج الإجمالي، وتأخر الاستثمارات الأجنبية بسبب المستحقات المتراكمة للشركات الدولية.
وأدى ذلك إلى فجوة بين الإنتاج والاستهلاك، حيث يتجاوز الطلب المحلي 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا، مما دفع مصر إلى زيادة واردات الغاز المسال بنسبة تصل إلى 179% في مارس 2025 مقارنة بالعام السابق، وفقًا لبيانات وحدة أبحاث الطاقة في واشنطن.
أسباب الزيادة الجديدة
جاء الارتفاع في إنتاج الغاز خلال الربع الثالث من 2025 بنسبة 1%، ليصل إلى 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، كأول إشارة إيجابية منذ ثلاث سنوات، كما أكد بدوي في كلمته أمام منتدى GECF.
ويعود ذلك إلى استراتيجية عمل جديدة تشمل إصلاحات هيكلية وإجراءات تحفيزية، مثل تسديد المستحقات المتراكمة للشركات الأجنبية على ثلاث دفعات (الأخيرة في يونيو 2025)، ورفع أسعار شراء الغاز للشركاء الأجانب، بالإضافة إلى السماح لهم بتصدير جزء من حصصهم.
وفي يوليو 2025، ارتفع الإنتاج بنسبة 5% شهريًا إلى 4.07 مليار قدم مكعب يوميًا، بفضل إضافة آبار جديدة في مناطق مثل غرب الدلتا البحرية، حيث أطلقت شركتا شل وبتروناس المراحل 10 و11 باستثمارات 575 مليون دولار، مضيفة 300 مليون قدم مكعب يوميًا.
كما ساهمت شركة بي بي (BP) في زيادة الإنتاج بنحو 200 مليون قدم مكعب يوميًا من بئر غرب ريفين-4 قبل نهاية أكتوبر 2025.
الحقول الرئيسية: ظهر وريفين في المقدمة
ويبقى حقل ظهر، الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية في 2015 واحتياطيه يقدر بـ30 تريليون قدم مكعب، الركيزة الأساسية للإنتاج المصري، حيث أعلنت الوزارة في يونيو 2025 عن زيادة إنتاجه بنحو 60 مليون قدم مكعب يوميًا بعد إعادة حفر بئر رقم 6، مع خطط لاستعادة مستوياته السابقة بحلول منتصف 2025.

وحاليًا، ينتج الحقل 1.3 مليار قدم مكعب يوميًا، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.3 مليار بنهاية العام، أما حقل ريفين في البحر المتوسط، فينتج حاليًا 600 مليون قدم مكعب يوميًا، مع خطط للوصول إلى 900 مليون في 2025، بالإضافة إلى 30 ألف برميل نفط مكافئ.
كما أضافت شركة أباتشي الأمريكية 70 مليون قدم مكعب في الصحراء الغربية، ليصل إنتاجها إلى 550 مليون قدم مكعب يوميًا بنهاية 2025.
وتشمل الحقول الستة الرئيسية الأخرى غرب الدلتا، نرجس، والبورلس، التي ستضيف إجماليًا 220 مليون قدم مكعب من خلال حفر 3 آبار جديدة في النصف الأول من 2025.
شراكات مع عمالقة الطاقة
وأعلنت شركات عالمية كبرى مثل إيني، شل، بي بي، وتوتال إنرجيز عن برامج استثمارية طموحة بقيمة مليارات الدولارات للاستكشاف والتنمية خلال الخمس سنوات المقبلة.
وفي أغسطس 2025، وقعت مصر اتفاقيات مع إيني لتكثيف الحفر في حقل ظهر، ومع بي بي لإضافة 200 مليون قدم مكعب في ريفين.
كما حفرت الشركات 77 بئرًا استكشافية من يناير إلى أكتوبر 2024، مكتشفة 54 اكتشافًا جديدًا، بما في ذلك 14 للغاز باحتياطيات 680 مليار قدم مكعب.
وهذه الشراكات، التي بلغت استثماراتها 2.7 مليار دولار في 2024، تعكس عودة الثقة بعد تسديد 1.3 مليار دولار من المستحقات في يونيو 2025، وفقًا لتقارير بلومبرج.
وتستهدف الحكومة زيادة الإنتاج بنسبة 30% إلى 6 مليار قدم مكعب يوميًا بنهاية 2025، مقابل 4.6 مليار حاليًا.
تقليل الفاتورة الاستيرادية وتعزيز الصادرات
وستساهم الزيادة في إنتاج الغاز في توفير نحو 1.5 مليار دولار من فاتورة الاستيراد خلال الستة أشهر المقبلة، مع تقليل الاعتماد على الواردات التي بلغت 150 شحنة حتى صيف 2026.
كما تتوقع الحكومة تصدير شحنتين شهريًا من الغاز المسال من إدكو بين نوفمبر 2025 ومارس 2026، مستهدفة أسواق أوروبا مثل إيطاليا، التي تلقت 155 ألف متر مكعب في أكتوبر 2025.
وبالإضافة إلى ذلك، ستزيد الحكومة إمدادات الغاز للقطاع الصناعي بنسبة 12% إلى 2.2 مليار قدم مكعب يوميًا بدءًا من نوفمبر، مما يعزز إنتاج الأسمدة والبتروكيماويات ويرفع الصادرات.
ومع تحقيق 49 كشفًا للغاز في العام المالي 2024/2025، يتوقع الخبراء نمو الإنتاج بنسبة 2.5% بحلول نهاية 2025، وفقًا لتقارير ستاندرد آند بورز.
نحو الاكتفاء الذاتي بحلول 2027
وتستهدف مصر زيادة الإنتاج بنسبة 8% في العام المالي 2025/2026، ليصل إلى 5.7 مليار قدم مكعب يوميًا، مع التركيز على تطوير 6-8 حقول جديدة وإضافة وحدات تخزين عائمة في العين السخنة ودمياط.
وفي فبراير 2025، وقعت مذكرة تفاهم مع شيفرون وقبرص لربط غاز حقل أفروديت بمصر، مما قد يضيف إمدادات إضافية بحلول 2026.
ومع هذه الخطط، يتوقع مدبولي استعادة المعدلات الطبيعية بحلول 2027، مع التوازن بين الطاقة التقليدية والمتجددة لتحقيق أمن طاقة مستدام، وهذا الارتفاع في إنتاج الغاز ليس مجرد رقم، بل خطوة حاسمة نحو تعزيز الاقتصاد المصري في وجه التحديات العالمية.