استقرار الفائدة الأوروبية.. بين الثقة الحذرة ومخاطر التباطؤ الاقتصادي
 
                            في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، قرر البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوى 2% للمرة الثالثة على التوالي، في ظل استقرار معدل التضخم في منطقة اليورو قرب هدفه البالغ 2%، ووسط مؤشرات على تماسك الاقتصاد الأوروبي رغم الضغوط الخارجية المتزايدة.
هذا القرار يعكس – وفق المحللين – مرحلة انتقالية في سياسة البنك المركزي الأوروبي، إذ يبدو أن المؤسسة النقدية التي خاضت أطول دورة تشديد نقدي في تاريخها الحديث، بدأت تدخل فترة من الترقب الحذر، في انتظار إشارات أوضح حول اتجاهات التضخم والنمو خلال العام المقبل.
تضخم تحت السيطرة ونمو محدود
بيانات الأشهر الأخيرة أظهرت أن التضخم في منطقة اليورو بدأ يستقر تدريجيًا بعد موجة الارتفاعات التي شهدها عام 2023، ومع وصول المعدلات إلى نحو 2%، ترى كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن السياسة النقدية الحالية "في موقع جيد"، مشيرة إلى أن البنك سيواصل مراقبة البيانات الاقتصادية بعناية قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.
لكن في المقابل، لا يزال النمو الاقتصادي الأوروبي محدودًا، إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ارتفاعًا بنسبة 0.2% في الربع الثالث، بدعم من استمرار قوة سوق العمل ومتانة القطاع الخاص، وهذه الأرقام تعكس مرونة نسبية، لكنها تكشف في الوقت ذاته هشاشة النمو، خاصة مع استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
توازن دقيق بين الاستقرار والتحفيز
قرار تثبيت الفائدة يمثل محاولة واضحة من المركزي الأوروبي لتحقيق توازن بين التحكم في التضخم من جهة، ودعم النشاط الاقتصادي من جهة أخرى. فخفض الفائدة في الوقت الحالي قد يؤدي إلى عودة الضغوط السعرية، بينما الرفع مجددًا قد يهدد بتباطؤ أعمق في بعض الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن البنك الأوروبي يسعى من خلال هذا النهج إلى إعطاء الأسواق رسالة استقرار وثقة، دون المخاطرة بإشعال موجة جديدة من الركود أو التضخم.
المخاطر الخارجية لا تزال قائمة
رغم إشارات التحسن النسبي، إلا أن البنك المركزي الأوروبي حذّر من أن البيئة العالمية لا تزال مليئة بالمخاطر، فالتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تمتد إلى أوروبا، كما أن التحديات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية تضيف طبقات جديدة من عدم اليقين، ما قد يضغط على أسعار الطاقة وسلاسل الإمداد.
إلى جانب ذلك، فإن التقلبات السياسية الداخلية في بعض الدول الأوروبية، وتراجع شعبية بعض الحكومات، تزيد من هشاشة المناخ الاقتصادي العام، وهو ما يجعل المركزي الأوروبي أكثر حذرًا في تغيير سياسته الحالية.
النظرة المستقبلية: ثبات مؤقت أم بداية دورة جديدة؟
وفق استطلاع أجرته بلومبرغ، يتوقع معظم الاقتصاديين أن تظل أسعار الفائدة الأوروبية ثابتة عند 2% حتى عام 2027، في حين يرى ثلث المشاركين إمكانية خفض إضافي إذا تباطأ التضخم أكثر من المتوقع.
ويرى مراقبون أن قرار البنك لا يعكس فقط وضع الاقتصاد الحالي، بل يضع الأساس لمرحلة جديدة من السياسات المرنة، تتيح للبنك التحرك سريعًا إذا ما ظهرت مؤشرات تباطؤ أو ضغوط انكماشية.
في المحصلة، يمثل قرار الإبقاء على أسعار الفائدة رسالة مزدوجة للأسواق: من ناحية، تأكيد على الثقة في استقرار الأسعار، ومن ناحية أخرى، إقرار بوجود تحديات لا تزال تتطلب الحذر والمرونة.
وبينما يواصل الاقتصاد الأوروبي طريقه الصعب بين التضخم والنمو البطيء، يبدو أن البنك المركزي الأوروبي اختار المضي بسياسة "الانتظار والترقب" إلى أن تتضح الصورة بشكل أكبر في عام 2026.
 
     
             
    
