المتحف المصري الكبير.. الاستثمار في الحضارة ينعش الاقتصاد المصري
في لحظة تاريخية استثنائية، تعلن مصر من أمام أهرامات الجيزة عن ميلاد صرح حضاري واقتصادي جديد.. المتحف المصري الكبير، الذي يُعد أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، وأحد أعمدة الرؤية التنموية الجديدة للدولة المصرية، وهذا المشروع العملاق لا يمثل فقط مساحة لعرض آثار مصر القديمة، بل منظومة اقتصادية متكاملة تستثمر في التاريخ كقيمة إنتاجية، وتحوّل الهوية إلى موردٍ مستدام ينعكس أثره على الاقتصاد الوطني لعقود قادمة.
يمتد المتحف على مساحة تُقارب نصف مليون متر مربع، ويضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية تُجسد تطور الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ. وإلى جانب دوره التاريخي والثقافي، يشكل المتحف المصري الكبير نقطة جذب اقتصادية جديدة، إذ سيوفر فرص عمل مباشرة في السياحة والخدمات والتجارة، إلى جانب فرص غير مباشرة في قطاعات النقل، والبنية التحتية، والصناعات الحرفية، والمشروعات الصغيرة المرتبطة بالزوار والمناطق المحيطة.
ويُعد افتتاح المتحف المصري الكبير بمثابة تتويج لمرحلة جديدة من الاقتصاد الثقافي المصري، الذي تسعى الدولة من خلاله إلى تحقيق التنوع في مصادر الدخل القومي، فالمتحف يجمع بين الاستثمار في التراث المادي واللامادي، ويعزز من مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية قادرة على جذب أكثر من 30 مليون سائح سنويًا، وزيادة العائدات السياحية إلى نحو 30 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وقال أحمد خزيم الخبير الاقتصادي، إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل نقطة تحول محورية في الاقتصاد المصري، ليس فقط من منظور السياحة، بل كأداة لتحفيز الاستثمار في القطاعات المرتبطة بالثقافة والتراث.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"سمارت فاينانس" أن المشروع يعكس فكرًا اقتصاديًا متطورًا يقوم على تحويل الأصول غير الملموسة، مثل التاريخ والحضارة، إلى موارد اقتصادية مستدامة تدر عوائد مباشرة من السياحة وغير مباشرة من المشروعات الخدمية والعقارية المحيطة.
وأوضح أن المتحف يمكن أن يسهم خلال خمس سنوات في رفع مساهمة السياحة الثقافية إلى نحو 12% من إجمالي الناتج المحلي للقطاع السياحي، مع خلق آلاف فرص العمل وزيادة حركة الاستثمار في المنطقة الغربية من القاهرة الكبرى.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن المتحف المصري الكبير سيكون له تأثير مضاعف على القطاعات الداعمة، إذ يشجع على الاستثمار في النقل الذكي، وتحسين البنية التحتية في محيط الجيزة، بما في ذلك الطرق والمواصلات والفنادق والخدمات التجارية، وهو ما يسهم في تنمية شاملة للمنطقة وتحويلها إلى مركز اقتصادي سياحي متكامل.
من جانبه، قال الدكتور هاني جنينه الخبير الاقتصادي، إن المتحف المصري الكبير ليس فقط إنجازًا ثقافيًا، بل مشروع اقتصادي ضخم قائم على مفهوم "القيمة المضافة للحضارة"، حيث كل قطعة أثرية معروضة تصبح محفزًا لفرص استثمارية جديدة في السياحة والتعليم والثقافة الرقمية.
وأشار في تصريحات خاصة لـ"سمارت فاينانس" إلى أن كل دولار يُنفق في هذا النوع من المشروعات يولّد ما بين 2 إلى 3 دولارات في قطاعات مساندة مثل النقل والتجزئة والخدمات، لافتًا إلى أن المتحف سيكون محركًا رئيسيًا لنمو الاقتصاد المحلي في الجيزة وتحفيز استثمارات عربية وأجنبية في الفندقة والتسويق الثقافي.
وأضاف أن المتحف الكبير يمثل أيضًا نموذجًا للحوكمة الاقتصادية في تنفيذ المشروعات القومية، حيث تم إنجازه بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والجهات الدولية المانحة، في تجربة فريدة من نوعها تعكس قدرة مصر على إدارة مشروعاتها الكبرى بكفاءة وتمويل مستدام.
وافتتاح المتحف المصري الكبير اليوم لا يمثل نهاية مرحلة، بل بداية عهد جديد لاقتصاد يقوم على دمج الهوية بالابتكار، والثقافة بالتنمية. فمصر التي علمت العالم معنى الحضارة، تقدم للعالم الآن نموذجًا متطورًا في الاقتصاد الثقافي، يوازن بين عراقة الماضي وطموحات المستقبل، ومع كل خطوة في هذا المشروع، تثبت الدولة المصرية أنها لا تكتفي بالحفاظ على تراثها، بل تستثمره لبناء اقتصاد حيّ ينبض بالإبداع والإرادة، لتظل بحق أرض التاريخ والحياة، التي تكتب فصول نهضتها بوعي وحكمة وثقة في قدرتها على صناعة المستقبل.
