13 مليار في 4 أشهر فقط.. كيف حولت مصر رمال الساحل الشمالي إلى منجم ذهب؟

الساحل الشمالي
الساحل الشمالي

في أقل من خمسة أشهر فقط، تحولت رمال الساحل الشمالي الغربي من مجرد شاطئ صيفي يتسابق عليه المصريون هرباً من حرارة القاهرة، إلى أكبر منجم ذهب مالي.

وبينما لا يزال رذاذ البحر يتراقص على شرفات الفيلات الفارهة في رأس الحكمة وسيدي عبد الرحمن، أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أن خزينة الدولة قد امتلأت بأكثر من 13 مليار جنيه مصري نقداً من رسوم تقنين واحدة فقط، مع توقعات رسمية تجعل الرقم النهائي بنهاية 2025 يلامس 65 مليار جنيه، أي ما يعادل ميزانية وزارة كاملة أو ثلث عائدات قناة السويس السنوية.

ولم تعد هذه الأرقام مجرد إحصائيات باردة، بل أصبحت قصة نجاح اقتصادي بطعم الملح والرمال، قصة بدأت بقرار جريء في يوليو الماضي، وانتهت بتحويل "الفوضى العقارية" التي استمرت عقوداً إلى تدفقات نقدية هائلة تمول طرقاً جديدة، ومحطات تحلية، ومطاراً دولياً، وتجذب في الوقت نفسه عشرات المليارات من الدولارات الخليجية.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نكشف التفاصيل الكاملة والأرقام المحدثة حتى هذه اللحظة، من آلية الجمع، ومن تأثير الرسوم على سعر الشاليه الذي اشتريته العام الماضي، إلى الصفقات الخليجية العملاقة التي ستغير وجه المتوسط إلى الأبد.

كيف بدأت قصة الرسوم ولماذا الآن؟

وفي يوليو 2025، أصدرت هيئة المجتمعات العمرانية قراراً تاريخياً بفرض رسوم تقنين على كل المشاريع التي تشارك فيها أكثر من جهة، بهدف إنهاء حالة "التعدي الإداري" التي استمرت سنوات، وتوجيه الحصيلة مباشرة لتحسين الطرق والمرافق والكباري على الامتداد الشاطئي من كيلو 70 إلى مرسى مطروح.

والرسوم تتفاوت حسب موقع الأرض:  

  • 500 جنيه للمتر المربع في الأراضي الواقعة جنوب الطريق الساحلي الدولي.
  • 750 جنيهاً للمتر في الأراضي شمال الطريق.
  • 1000 جنيه للمتر في الوحدات ذات الواجهة الشاطئية المباشرة.

أما المشاريع ذات الاستثمار الأجنبي فقد وحدت الرسوم عند 20 دولاراً أمريكياً للمتر الواحد تسدد دفعة واحدة، وتذهب حصيلتها مباشرة إلى صندوق "تحيا مصر".

كم جمعت الحكومة من الرسوم؟

وبحسب التقرير الرسمي، جمعت الهيئة حتى الآن 13 مليار جنيه، وهو رقم يمثل نحو 20% فقط من الحصيلة المتوقعة الكلية البالغة 65 مليار جنيه، ومن أبرز الشركات التي سددت حصتها حتى الآن:

شركة بالم هيلز للتعمير: سددت 300 مليون جنيه كدفعة أولى (10%) من إجمالي 2.6 مليار جنيه مستحقة عليها، مع الاتفاق على تقسيط الباقي على 5 سنوات بفائدة 10%.

عشرات الشركات الخليجية والمصرية الكبرى أنهت إجراءات التقنين خلال أكتوبر ونوفمبر، مما رفع الحصيلة بأكثر من 4 مليارات جنيه في شهرين فقط.

الساحل الشمالي
الساحل الشمالي

تأثير الرسوم على أسعار الشاليهات والفيلات

وأدت الرسوم إلى زيادة تكلفة التطوير، فارتفعت أسعار بيع الوحدات بنسبة تتراوح بين 8 و12% منذ بداية 2025.

واليوم، يتجاوز متوسط سعر المتر في المشروعات الفاخرة 20 ألف جنيه، وقد سجلت بعض الفيلات المستقلة في رأس الحكمة وسيدي عبد الرحمن أسعاراً تجاوزت 45 مليون جنيه للوحدة الواحدة.

ولكن الحكومة خففت الصدمة عبر حزمة تيسيرية أعلنها وزير الإسكان المهندس شريف الشربيني في سبتمبر الماضي، تشمل:

  • تقسيط الدفعة المقدمة (20%) على سنة كاملة بدون فوائد.
  • تقسيط باقي المبلغ على 5 سنوات بفائدة 10% فقط.
  • استثناء كامل للمشروعات التي نفذت بالفعل أكثر من 50% من أعمال البناء.

والاستثمارات الخليجية تتدفق رغم الرسومبعكس المخاوف الأولية، تحولت الرسوم إلى عامل جذب للاستثمار الأجنبي لأنها أعطت "شرعية نهائية" لكل المشروعات، وأبرز الصفقات التي أبرمت في الساحل الشمالي:

  • صفقة رأس الحكمة الإماراتية بـ35 مليار دولار.
  • صفقة "علم الروم" القطرية الجديدة بـ29.7 مليار دولار (أُعلنت الأسبوع الماضي فقط).
  • صفقات سعودية وكويتية متتالية تتجاوز قيمتها الإجمالية 15 مليار دولار في سيدي حنيش والضبعة.

وهذه الاستثمارات ستضيف أكثر من 300 ألف غرفة فندقية ومليوني متر مربع من الوحدات السكنية الفاخرة بحلول 2030، وستخلق مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

ردود الفعل بين الترحيب والانتقاد

ورحب معظم المطورين بالتيسيرات الجديدة، واعتبر طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري أن "الدولة أنقذت السوق من أزمة كانت وشيكة".

وفي المقابل، لا يزال الملياردير نجيب ساويرس ينتقد الرسوم ويصفها بـ "الضريبة المقنعة"، لكن مصادر حكومية تقول إن تظلمات الشركات تدرس حالياً على أعلى مستوى، ومن المتوقع صدور قرارات نهائية قبل نهاية ديسمبر.

الساحل الشمالي يتحول إلى "كنز استراتيجي" لمصر

ومع مرور أقل من خمسة أشهر على بدء تطبيق الرسوم، نجحت الدولة في جمع أكثر من 13 مليار جنيه، ووضعت يدها على واحد من أكبر مصادر الدخل غير الضريبي في تاريخها الحديث.

والرسوم لم تعد مجرد إجراء إداري، بل أصبحت أداة تنظيمية وتنموية ستمول طريقاً ساحلياً جديداً ومحطات تحلية وشبكات إنترنت فائقة السرعة ومطاراً دولياً جديداً في العلمين.

والساحل الشمالي لم يعد مجرد وجهة صيفية، بل تحول إلى أكبر مشروع تنمية متكاملة في منطقة البحر المتوسط، ومصر تجني اليوم ثمار قرار جريء اتخذته في صيف 2025.

تم نسخ الرابط