مصر مركز ثقل جديد للأمن الغذائي البحري.. أداء قياسي في المصايد وتربية الأحياء المائية
لا تزال المخاوف المتعلقة باستدامة مصايد الأسماك قائمة، ولكنّ الصيد المفرط للأسماك ينخفض إلى أدنى مستوياته منذ عقد من الزمن، في حين تؤدي تربية الأحياء المائية إلى إطعام المزيد من الأشخاص.
وكشف تقرير جديد صادر عن الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة عن أوجه تقدم مشجّعة في استدامة الأرصدة الرئيسية وتعافيها.
وتعد جمهورية مصر العربية أكبر بلد منتج في مجال مصايد الأسماك البحرية الطبيعية حيث زاد متوسط عمليات الإنزال بنسبة 4.8 في المائة خلال الفترة 2022-2023 (933 49 طنًا) مقارنة بالفترة 2020-2021(628 47 طنًا).
ويُعدّ ميناء عزبة البرج الميناء الرائد من حيث سفن الصيد العاملة ويحتل المرتبة الثانية في البحر الأبيض المتوسط من حيث عمليات الإنزال.

تربية الأحياء المائية
لا تزال جمهورية مصر العربية تشكّل حجر الزاوية في تربية الأحياء المائية في المياه العذبة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث بلغ إنتاجها 255 405 1 طنًا في عام 2023، أي ما يعادل حوالي 82 في المائة من إجمالي إنتاج المياه العذبة في الإقليم. ويعكس هذا الأداء ارتفاع الطلب المحلي على البلطي النيلي (Oreochromis niloticus) وسمك البوري (Mugilidae spp.)، بدعم من التوسع في نظم الاستزراع شبه الكثيفة في الأحواض الترابية.
وجمهورية مصر العربية هي ثاني أكبر بلد منتج في مجال تربية الأحياء المائية في مياه البحر والماء المسوس في منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث أنتجت حوالي 200 147 طن في عام 2023 (15.7 في المائة من الحجم الإجمالي)، كما أنها تحتل المرتبة الثالثة من حيث الإيرادات، حيث تقدر بنحو 462.3 ملايين دولار أمريكي (8.9 في المائة من الإجمالي الإقليمي) وهي البلد المنتِج الرئيسي الوحيد الذي يعمل بالكامل في نظم الماء المسوس التي يُربى فيها سمك الدنيس والبوري والقاروس البحري الأوروبي واللوت.
الجانب المؤسسي
جمهورية مصر العربية عضو ناشط في الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط وجهة فاعلة نافذة في حوكمة مصايد الأسماك الإقليمية.
وقد استضافت عدة اجتماعات للهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط وأجهزتها الفرعية ويغطي مركز الاستزراع المائي النموذجي في الإسكندرية، الذي تأسس في عام 2023، مواضيع ذات أولوية، مثل تنويع الأنواع، وإنتاج الزعنفيات البحرية، وتكامل التكنولوجيات الجديدة.
ويساهم خبراؤها في الأجهزة الاستشارية والفنية العلمية التابعة للهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط، كما تحظى البلاد بالتقدير لالتزامها بالإدارة القائمة على الأدلّة والتعاون الإقليمي.

التوسّع السريع لتربية الأحياء المائية
ومع أنّ استدامة مصايد الأسماك في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود لا تزال تشكل مصدر قلق، إلا أنّ نسبة الأرصدة التي يتم صيدها بإفراط قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها خلال عقد من الزمن، ويشكل هذا محطة بارزة تتزامن مع التوسّع السريع لتربية الأحياء المائية كأحد المصادر الرئيسية للأغذية المائية في الإقليم، وفق تقرير صدر اليوم عن الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط (الهيئة) التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة (المنظمة).
ويؤكد تقرير حالة مصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود لعام 2025، الذي أُعدّ بفضل مساهمات من أكثر من 700 خبير إقليمي، أنّ التعاون الوطيد والإدارة القائمة على الأدلة يؤتيان ثمارهما فقد جرى خفض الضغط على صيد الأسماك إلى النصف على مدى السنوات العشر الماضية وبدأت المخزونات الرئيسية في التعافي.
وفي الوقت نفسه، تشكّل حاليًا تربية الأحياء المائية في المياه البحرية والمياه المسوسة أكثر من 45 في المائة من إنتاج الأغذية المائية، إذ بلغت 000 940 طن في عام 2023.
وأنتجت مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وسلسلة القيمة الخاصة بها مجتمعة 2.06 ملايين طن من الأغذية المائية وولّدت 21.5 مليارات دولار أمريكي ودعمت 1.17 مليون فرصة عمل.
وقال السفير بسام عصام راضي عبد الحميد راضي، السفير والمندوب الدائم لجمهورية مصر العربية لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: "نشيد بشكل خاص بتقرير هذا العام لما يسلّطه من ضوء على التقدم المُحرز والتحديات الملحّة التي لا تزال المنطقة تواجهها، ولا سيما تهديدات الصيد الجائر، وآثار تغيّر المناخ، وتراجع التنوع البيولوجي البحري.
وأضاف أننا نرى أن هذا التقرير يجب أن يشكّل دعوة للعمل وفي هذا الصدد، تلتزم مصر بتعزيز التعاون على المستوى الإقليمي لضمان ممارسات صيد مسؤولة، وحماية الموارد المشتركة، وتحسين سبل العيش. كما نشجّع جميع الشركاء على مواصلة تبادل المعرفة، والاستثمار في الابتكار، ودعم بناء القدرات”.
وقال Manuel Barange، المدير العام المساعد ومدير شعبة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) "إنّ المخزونات لم تصل بعد إلى المستوى الذي الذي نطمح إليه ، ولكنّها بدأت في التعافي بفضل إجراءات الإدارة المرتكزة إلى العلم ومشاركة أصحاب المصلحة الراسخة، في حين أن تربية الأحياء المائية أثبتت قدرتها على المساعدة في تلبية الطلب على الأغذية المائية في المستقبل إذا ما تمت إدارتها بشكل مسؤول".

وأضاف قائلًا "إنّ المثابرة على هذه الجهود أمر بالغ الأهمية للحفاظ على النظم الإيكولوجية، وتعزيز سُبل العيش، وضمان الأمن الغذائي في الإقليم من خلال ما نسميه التحول الأزرق."
انخفاض الضغط على الصيد بنسبة 50%
يقيّم التقرير، وهو الأكثر شمولًا حتى الآن، 120 رصيدًا من ا المخزونات السمكية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود ويفيد بأنّ معدل الوفيات الأسماك الناجمة عن الصيد قد انخفض بشكل حاد بين عامي 2013 و2023، في حين حصلت زيادة بنسبة 25 في المائة في الكتلة الأحيائية للأنواع التجارية التي جرى تقييمها، وذلك بفضل تفعيل الإدارة القائمة على الأدلّة لمصايد الأسماك.
والتقدم واضح في عدد من الأنواع التجارية الرئيسية ويسجل البوري المقلم والروبيان الأحمر العملاق انخفاضًا واضحًا من حيث معدل وفيات الأسماك الناجمة عن الصيد.
وتظهِر الأنواع الخاضعة لخطط إدارة محدّدة انتعاشًا أكبر من المتوسط، إذ شهد سمك موسى الشائع في بحر الأدرِياتيك انخفاضًا بنسبة 42 في المائة في معدل نفوق الأسماك وارتفاعًا بنسبة 64 في المائة في الكتلة الأحيائية منذ عام 2019؛ وأظهر سمك التربوت في البحر الأسود انخفاضًا بنسبة 86 في المائة في معدل نفوق الأسماك وزيادة بنسبة 310 في المائة في الكتلة الأحيائية منذ عام 2013.
غير أنّ أرصدة أسماك السردين خضعت للصيد المفرط بشكل دائم على مر الزمن ولا يزال يسجل فيها ما يشير إلى استنزاف الكتلة الأحيائية. ويسجل سمك النازلي الأوروبي بوادر خجولة على استعادة الكلتة الأحيائية، مع تفاوتات بين الأقاليم الفرعية، وذلك رغم تراجع النفوق أثناء عمليات الصيد بنسبة 38 في المائة منذ عام 2015.
ومع أنّ أوجه التحسن هذه غير كافية، إلا أنها تأتي في أعقاب عقد من العمل المتسارع من جانب أعضاء الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط، الذين اعتمدوا 11 خطة للإدارة منذ عام 2013، وأسّسوا 11 منطقة من مناطق مصايد الأسماك المقيدة، وأطلقوا 18 برنامجًا بحثيًا ودراسة تجريبية لتوجيه عملية اتخاذ القرار.
وقالت Milena Mihaylova، رئيسة وحدة إدارة مصايد الأسماك في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود في المفوضية الأوروبية "تستند هذه النتائج إلى الالتزامات الإقليمية مثل إعلان مالطة للصيد البحري المستدام "MedFish4Ever"، وإعلان صوفيا، وتعكس التزام البلدان الراسخ بالاستدامة ولكن لا يمكننا أن نفترض أنّ العمل قد أُنجز؛ إذ لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التعاون والعمل المستمر من أجل ضمان الاستدامة على المدى الطويل، وكذلك على المستويات الاجتماعية والاقتصادية".
وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن 52 في المائة من الأرصدة التي جرى تقييمها في الإقليم لا تزال تتعرّض للصيد المفرط وهذا تحسّن كبير مقارنةً بعقد من الزمن عندما كانت نسبة الأرصدة المعرضة للصيد المفرط تبلغ 87 في المائة، ولكنّه لا يزال مرتفعًا للغاية بالنسبة إلى نظام إيكولوجي بحري صحي.
ولا تزال هناك تحديات أخرى قائمة، بما في ذلك تعزيز الامتثال للتدابير المعتمدة، وتقدم القوى العاملة في العمر وعدم المساواة في الربحية، إلى جانب الصيد المرتجع والمصيد العرضي للأنواع المعرّضة للخطر، خاصةً في البؤر الساخنة المحددة في مختلف أنحاء الإقليم.
تربية الأحياء المائية تحفّز النمو والابتكار
يقدّم هذا الإصدار من تقرير حالة مصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود للمرة الأولى لمحة عامة مفصّلة عن تربية الأحياء المائية في الإقليم ويظهر قطاعًا سريع التوسع. وعند إدراج إنتاج المياه العذبة، فإنّ تربية الأحياء المائية تولّد 9.3 مليارات دولار وتنتج ما يقارب 3 ملايين طن من الأغذية المائية.
وتبلغ قيمة تربية الأحياء المائية في المياه البحرية والمياه المسوسة وحدها 5.2 مليار دولار، ويعمل فيها 000 113 شخص بشكل مباشر.
ويتركّز الإنتاج بشكل كبير في عدد قليل من الأنواع، إذ يمثل 11 نوعًا فقط 99 في المائة من إجمالي الناتج، وفي مقدمتها سمك الدنيس (34.5 في المائة) وسمك الشبص الأوروبي (29.7 في المائة).
وعلى نحو مماثل، تنتج ثمانية بلدان فقط 95.5 في المائة من الأغذية المائية المستزرعة في الإقليم، وتأتي في الصدارة تركيا (000 400 طن) ثم جمهورية مصر العربية (000 147 طن) فاليونان (000 139 طن) ونتيجةً لذلك، أصبحت تربية الأحياء المائية المصدر الأسرع توسعًا للأغذية المائية في الإقليم وركيزة متنامية للأمن الغذائي وسُبل العيش الساحلية.
ويقول Ahmet Seremed، رئيس مجلس الاتحاد المركزي لمنتجي تربية الأحياء المائية في تركيا "إنّه مع استمرار نمو تربية الأحياء المائية، يشكّل اتباع نهج منسق ضرورة أساسية من أجل ضمان بقاء هذا القطاع مستدامًا ومنتجًا وقادرًا على المنافسة ومربحًا وفي الوقت نفسه، ينبغي لها أن تحافظ على الخدمات البيئية، وأن تضمن رعاية الحيوان، وأن تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة في المجتمعات الساحلية".
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة قائمة وينبغي لقطاع تربية الأحياء المائية أن يحافظ على الخدمات البيئية وأن يضمن ممارسات ملائمة في مجالي صحة الحيوان والأمن البيولوجي، بموازاة التعامل مع أنظمة مجزأة ومعقدة وتشجيع تقبّل تلك الممارسات من الناحية الاجتماعية.
تلبية الطلب في المستقبل
ويشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن يرتفع الطلب على الأغذية المائية في الإقليم مع تزايد عدد السكان وتغيّر أنماط الاستهلاك وبغية ضمان حصول الجميع على الأغذية المائية الصحية، بالتوازي مع مواكبة اتجاهات الاستهلاك، يقدّر التقرير أنه سيكون من الضروري زيادة الإنتاج بنسبة تتراوح بين 14 و29 في المائة بحلول عام 2050 من أجل السماح لجميع البلدان بالمحافظة على معدلات الاستهلاك الراهنة للفرد الواحد في الإقليم.
ويقول Miguel Bernal، الأمين التنفيذي للهيئة "ما فتئت الأغذية المائية وصيادو الأسماك ومستزرعو الأسماك يؤدون دورًا رئيسيًا في المجتمعات الساحلية في الإقليم ويتعيّن علينا أن نتأكّد من استمراره في القيام بذلك في المستقبل، من خلال التعاون والإدارة الفعالة".