خطر على الذاكرة التاريخية.. حديقة الحيوان أمام تحول تجاري

حديقة الحيوان
حديقة الحيوان

تواجه حديقة الحيوان بالجيزة، ثاني أقدم حديقة حيوان في العالم وأحد أهم آثار القاهرة المسجلة، أزمة كبرى بعد قرار إسناد تطويرها وإدارتها لتحالف شركات خاص لمدة 25 عامًا، بينما يراها البعض خطوة ضرورية للتحديث، يخشى آخرون أن تتحول الحديقة من رمز للتراث والبيئة إلى مشروع تجاري يطغى عليه البعد الربحي، مخاطرًا بفقدان هويتها التاريخية وطابعها البيئي الفريد.

 

الخسارة المزدوجة للتراث والبيئة

الخطر الأكبر يتربص بالذاكرة التاريخية للحديقة، فهي ليست مجرد أرض للحيوانات، بل هي متحف معماري حي يضم كنوزا لا تقدر بثمن.

المباني الأثرية مثل الكوبري المعلق الذي صممه غوستاف إيفل، والقبة الملكية، وعشرات الأكشاك والتكوينات التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، كلها مهددة.

المخاوف تتصاعد من أن يؤدي التحديث المخطط له إلى هدم هذا التراث المعماري الفريد أو طمس معالمه بالكامل لصالح منشآت خدمية أو مساحات خرسانية جديدة، مما يعد انتهاكا صريحا لوضعها كأثر مسجل قانونيا يتطلب حماية قصوى.

ولا يقف الخطر عند المباني، بل يمتد ليشمل الثروة النباتية الهائلة. الحديقة تضم مئات الأشجار المعمرة والنباتات النادرة التي تمثل رئة خضراء لا تعوض للقاهرة الكبرى.

يخشى الخبراء من أن تتضرر هذه الثروة النباتية القيمة أثناء أعمال الحفر والميكنة الواسعة، أو أن يتم استبدالها بمساحات أسمنتية مخصصة لأغراض تجارية بحتة، وهو ما سيقضي على طابع "الغابة المصغرة" الذي يميز الحديقة تاريخياويساهم في بيئتها الخاصة.

أزمة الشفافية والتحول إلى مشروع ربحي

الخطر الجوهري يكمن في تحويل وظيفة الحديقة من مركز بحثي وتعليمي تابع لوزارة الزراعة إلى منتزه تجاري خالص.

ولعل الانتقاد الأبرز هو الغموض التام حول تفاصيل العقد المبرم مع الشركة المستأجرة، حيث لم يتم الكشف علنا عن القيمة المالية للإيجار أو حصة الدولة أو الالتزامات المحددة تجاه الحفاظ على الطابع الأثري والبيئي.

إسناد التحكم الكامل في التشغيل للقطاع الخاص لمدة ربع قرن يعني أن الأهداف الربحية ستكون هي الأولوية القصوى، وهو ما يهدد بـ فقدان الدور العلمي والتعليمي لصالح العروض الترفيهية فقط.

كما يثير هذا الغموض تساؤلات حول مصير الحيوانات النادرة التي تم نقلها مؤقتا وما إذا كانت ستعود لبيئة تلبي معايير WAZA الدولية، والتي فقدت الحديقة اعتمادها سابقا  أم ستعود لمجرد قفص عرض.

التبعات الاجتماعية والاقتصادية على المواطن

هذا القرار سيكون له تبعات اجتماعية واضحة، حيث من المؤكد أن الإدارة الخاصة ستؤدي إلى ارتفاع جنوني في سعر تذكرة الدخول.

هذا الارتفاع سيجرد الحديقة من طابعها كـ "متنزه شعبي وعائلي" متاح بأسعار زهيدة لجميع الفئات، ويحولها إلى وجهة فاخرة لا يتحمل تكلفتها المواطن البسيط، مما يعني حرمان شريحة واسعة من المصريين من الاستمتاع بها.

ويرى النقاد أن التطوير ضروري بعد سنوات من الإهمال، ولكن التخوف هو أن تكون المحصلة النهائية هي تجريد الحديقة من هويتها الفريدة واستبدالها بمشروع تجاري يضحي بالتاريخ والأشجار من أجل الربح، بعيدا عن أي رقابة تراثية فعالة.

تم نسخ الرابط