التوترات الجيوسياسية تعيد تشكيل سوق النفط العالمية
شهدت أسواق النفط العالمية ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأسبوع الجاري، بعد أن صعدت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب الحصار المفروض على فنزويلا، عبر صعود عناصر من خفر السواحل الأميركي إلى متن ناقلات نفطية وملاحقة أخرى، في أعقاب أول عملية احتجاز لسفينة منذ أسابيع.
وانعكس هذا التصعيد فورًا على الأسعار، حيث ارتفع خام برنت باتجاه 61 دولارًا للبرميل، فيما سجل خام غرب تكساس الوسيط مستوى قرب 57 دولارًا، بعد خسارتين أسبوعيتين متتاليتين، في مؤشر على تحرك الأسواق باتجاه التسعير الجيوسياسي.
تركز الأزمة على ناقلات محملة بالنفط الفنزويلي، أبرزها ناقلة "سينتشوريز" المحمّلة بنحو مليوني برميل، و"بيلا 1" و"سكيبر"، ضمن جهود واشنطن للحد من صادرات فنزويلا، أكبر دولة احتياطيًا للنفط الخام في العالم.
ويأتي هذا التصعيد في إطار مساعي ترمب لخنق المصدر الرئيسي لإيرادات حكومة نيكولاس مادورو، التي صنفتها واشنطن كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، متهمة إياها بالتورط في شبكات اتجار بالمخدرات، وهو ما يزيد من الضغوط على قطاع النفط الفنزويلي.
ويمثل الحصار الأميركي عاملًا جيوسياسيًا مركبًا يعزز أسعار النفط على المدى القصير، إذ يؤدي إلى تقليص الإمدادات، بينما تزيد المخاطر المرتبطة بالشحن البحري وتكاليف النقل، ما يخلق حالة من عدم اليقين في السوق، ويضاف إلى ذلك تصاعد التوترات الإقليمية الأخرى، مثل الهجمات الأوكرانية على ناقلات روسية في البحر المتوسط، ما يبرز تأثيرات متعددة الأطراف على الأسعار ويؤكد أن العوامل الجيوسياسية أصبحت أكثر تأثيرًا من المؤشرات الاقتصادية التقليدية في توجيه أسعار الخام خلال الفترة الحالية.
وتبرز شركة شيفرون الأميركية كلاعب رئيسي في فنزويلا، إذ تتمتع بوصول مباشر وحصري إلى احتياطيات النفط الهائلة، ما يمنحها موقعًا فريدًا في أي سيناريو مستقبلي، سواء استمر الحصار أو تم التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وكراكاس، ومع ذلك، ينطوي هذا الموقع على مخاطر كبيرة، تشمل احتمالية تعطّل عملياتها أو تهديد موظفيها في حال تصاعد الأعمال العدائية أو فرض قيود جديدة.
وتواجه فنزويلا واقعًا صعبًا، إذ قد تضطر شركة النفط الوطنية "بتروليوس دي فنزويلا" إلى إغلاق بعض الآبار قريبًا بسبب امتلاء خزانات التخزين، وهو ما سيحد من قدرتها على تلبية الطلب المحلي والدولي ويؤدي إلى مزيد من الضغط على سوق الخام.
ويشير خبراء الطاقة إلى أن الحصار الأميركي قد يحد من حركة ناقلات النفط بشكل فعال، رغم تقديرات المسؤولين الأميركيين بأن الكميات المتأثرة لا تشكل جزءًا كبيرًا من المعروض العالمي.
من الناحية السوقية، قد يؤدي التصعيد إلى ارتفاع الأسعار على المدى القصير نتيجة المخاوف من نقص الإمدادات، إلا أن الأسعار ستظل معرضة لتقلبات كبيرة خلال الأشهر المقبلة، بفعل إعادة الإنتاج من قبل تحالف "أوبك+" وزيادة إنتاج دول أخرى، إلى جانب ضعف الطلب العالمي النسبي مقارنة بالتوقعات السابقة.
