الذهب يواصل التحليق عند قمم تاريخية وسط رهانات الفائدة والمخاطر العالمية
واصل الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة مع اقتراب نهاية العام، مدعوماً بتصاعد التوترات الجيوسياسية عالمياً وتنامي الرهانات على خفض إضافي لأسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، ما عزز من جاذبيته كأحد أهم الملاذات الآمنة، حيث تجاوز المعدن النفيس قمته السابقة المسجلة في أكتوبر، مسجلاً أفضل أداء سنوي له منذ أكثر من أربعة عقود، في انعكاس مباشر لحالة عدم اليقين التي تهيمن على المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي.
ويأتي هذا الصعود القوي في وقت تتزايد فيه مخاوف المستثمرين من تباطؤ النمو العالمي واستمرار الضغوط التضخمية، إلى جانب اضطرابات سياسية وأمنية ممتدة في أكثر من منطقة، الأمر الذي دفع رؤوس الأموال للتحول من الأصول عالية المخاطر إلى الذهب كأداة تحوط وحفظ للقيمة.
سياسة نقدية داعمة للذهب
أحد المحركات الرئيسية لارتفاع الأسعار يتمثل في التوقعات المتزايدة باتجاه تبني الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية أكثر تيسيراً خلال العامين المقبلين، حيث يراهن المتعاملون على خفض أسعار الفائدة مرتين في عام 2026، في ظل غياب إشارات حاسمة من البيانات الاقتصادية الأخيرة، وهو ما أبقى الأسواق في حالة ترقب مستمرة.
وتدعم بيئة الفائدة المنخفضة أسعار الذهب، إذ تقلل من جاذبية الأدوات الادخارية المدرة للعائد، في مقابل زيادة الإقبال على المعادن النفيسة التي لا تحقق عائداً مباشراً ولكنها توفر حماية من تقلبات الأسواق.
الجغرافيا السياسية تعزز الطلب
على الصعيد الجيوسياسي، أسهمت التطورات المتسارعة في زيادة الطلب على الذهب، مع تشديد الولايات المتحدة ضغوطها على فنزويلا، إلى جانب استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية وما يرتبط بها من مخاطر على إمدادات الطاقة والتجارة العالمية، ويرتبط تصاعد الأزمات السياسية بارتفاع الطلب على الذهب باعتباره ملاذاً آمناً في أوقات الاضطراب.
القمة لم تُسجل بعد
وفي هذا السياق، قال محمد صلاح خبير أسواق المشغولات، إن “قفزات الذهب الحالية تشير إلى أن السوق لم يبلغ ذروته بعد”، موضحاً أن المعدن النفيس يتجه لاختبار قمم تاريخية جديدة.
وأضاف أن مستويات 4500 دولار للأونصة باتت قريبة في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية، وزيادة مشتريات البنوك المركزية، وتراجع الثقة في الأصول التقليدية.
وأشار إلى أن الذهب أصبح أداة تحوط أساسية، لا سيما في المحافظ الاستثمارية متوسطة وطويلة الأجل.
دور البنوك المركزية والصناديق الاستثمارية
واصلت البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، تعزيز احتياطياتها من الذهب، في خطوة تهدف إلى تنويع الأصول وتقليل الاعتماد على العملات الرئيسية.
كما شهدت الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات إيجابية متتالية، ما يعكس عودة قوية لاهتمام المستثمرين المؤسسيين بالمعدن الأصفر.
وتشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن الطلب الرسمي والاستثماري شكّل دعامة أساسية للأسعار خلال العام، في وقت لا يزال فيه المعروض المادي محدوداً نسبياً، ما يزيد من الضغوط الصعودية.
نظرة مستقبلية
مع دخول الأسواق عاماً جديداً، تبقى التوقعات بشأن الذهب إيجابية، في ظل استمرار العوامل الداعمة، سواء على مستوى السياسة النقدية أو المخاطر الجيوسياسية.
ويرى محللون أن المعدن النفيس سيظل عنصراً رئيسياً في استراتيجيات التحوط، مع توصيات بتخصيص نسبة تتراوح بين 10% و15% من المحافظ الاستثمارية للذهب، خاصة في ظل التقلبات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة.
وبينما تتغير ملامح الاقتصاد العالمي يحافظ الذهب على مكانته التاريخية كأحد أكثر الأصول أماناً، مرشحاً لمواصلة الأداء القوي طالما استمرت حالة عدم اليقين في السيطرة على الأسواق.

