أرقام فلكية لأسعار المقابر تُربك الباحثين عن مثواهم الأخير

تشهد أسعار المقابر في مصر قفزات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، لتتحول من تكلفة تُدبَّر عند الحاجة إلى عبء مالي ثقيل يفوق في بعض الأحيان أسعار الوحدات السكنية في أحياء متوسطة، وهذه الزيادات الكبيرة باتت تثير دهشة وغضب كثير من المواطنين، خاصة في القاهرة الكبرى، حيث أصبح تأمين “المثوى الأخير” تحديًا لا يقل صعوبة عن شراء شقة سكنية.

أسعار المقابر في مصر  

بحسب متعاملين في سوق المقابر، ارتفعت الأسعار مدفوعة بندرة الأراضي المخصصة للدفن داخل النطاقات العمرانية، إلى جانب زيادة الطلب مقابل المعروض المحدود، فضلًا عن دخول سماسرة ومستثمرين حولوا المقابر إلى سلعة تخضع لمنطق العرض والطلب.

ويؤكد محمد حنفي، أحد سماسرة المقابر، أن أسعار القطع تبدأ حاليًا من نحو 520 ألف جنيه للمساحات الصغيرة التي تبلغ 20 مترًا، بينما تقفز إلى 1.6 مليون جنيه للمقابر ذات المساحة 40 مترًا، ومع زيادة المساحة إلى 60 مترًا، قد يصل السعر إلى 3 ملايين جنيه، في حين تسجل بعض الحالات أسعارًا تقترب من 6 ملايين جنيه، وفقًا لمستوى التشطيب والموقع.

ويضيف حنفي أن المقابر المطلة على شوارع رئيسية أو ذات مداخل واسعة ومبانٍ مشطبة تشطيبًا فاخرًا تشهد طلبًا أعلى، ما يرفع أسعارها بصورة كبيرة، مشيرًا إلى أن بعض العائلات باتت تتعامل مع المقابر باعتبارها “أصولًا” تحفظ القيمة، لا مجرد أماكن للدفن.

من جانبه، قال أحد سماسرة المقابر إن أقل سعر لمدفن داخل القاهرة الكبرى يبدأ من 550 ألف جنيه، مؤكدًا أن الخيارات الأقل من ذلك أصبحت شبه منعدمة، ولا تتوفر إلا في صورة “مقابر صدقة” أو مدافن بعيدة عن النطاق الحضري، هذا الواقع يعكس اتساع الفجوة بين احتياجات المواطنين وقدرتهم الشرائية، حتى في ما يتعلق بأبسط الحقوق الإنسانية.

لا يفوتك

الإسكان توضح آلية إتمام التنازل عن الأراضي والوحدات بالمدن الجديدة

وتعكس هذه الطفرة في الأسعار خللًا واضحًا في منظومة تخصيص الأراضي للمقابر، وسط مطالبات بزيادة الرقعة المخصصة للدفن، وتدخل الجهات المختصة لتنظيم السوق ووضع ضوابط تحول دون المضاربة، فبينما ترتفع أسعار السكن بفعل التضخم وارتفاع تكلفة البناء، فإن صعود أسعار المقابر بوتيرة أسرع يفتح باب تساؤلات اجتماعية واقتصادية حول العدالة في الحصول على الخدمات الأساسية.

ويجد كثير من المواطنين أنفسهم أمام خيارات صعبة: إما تحمل أعباء مالية ضخمة، أو البحث عن بدائل بعيدة جغرافيًا، ما يحول مسألة الدفن من واجب إنساني بسيط إلى معادلة مالية معقدة، تعكس ضغوطًا متزايدة على المجتمع بأكمله.