نيسان من التوب للتابوت.. شبح الانهيار يترقب للانقضاض والأمل في «غصن» جديد

ما بين حالٍ وحال، تبدلت أوضاع الإمبراطورية اليابانية في صناعة السيارات، نيسان، العملاق الذي كان في «التوب» بات أقرب لـ «التابوت»، أحد أعرق شركات صناعة السيارات في العالم، يعيش أزمة مالية وتشغيلية غير مسبوقة في عام 2025، وصفها خبراء بأنها الأخطر في تاريخ الشركة، إذ تشير التقارير إلى خسائر مالية كبيرة، وتراجع واضح في المبيعات العالمية، إلى جانب تحديات هيكلية تهدد مستقبل الشركة بالكامل.
أرقام صادمة في النتائج المالية
في النصف الأول من السنة المالية 2024، سجلت نيسان إيرادات بلغت 5.98 تريليون ين (حوالي 40 مليار دولار)، بانخفاض قدره 1% مقارنة بالعام السابق.
أما الأرباح التشغيلية، فقد تراجعت بنسبة 85%، في حين تجاوزت الخسائر الصافية 5 مليارات دولار، وهي الأكبر في تاريخ الشركة.
انهيار في الطلب وتحديات السوق
تعاني نيسان من انخفاض كبير في الطلب على سياراتها، خصوصًا في السوقين الأمريكي والصيني، وهما من أكبر أسواق السيارات عالميًا، ويرجع ذلك إلى المنافسة الشديدة من الشركات الصينية، مثل BYD وNIO، التي تقدم سيارات كهربائية أرخص وأكثر تطورًا من حيث التكنولوجيا والالتزام بالمعايير البيئية.
كما ساهمت تكاليف إعادة الهيكلة، التي تخطت 400 مليون دولار، بالإضافة إلى تخفيض قيمة الأصول في أسواق رئيسية، في تعميق الأزمة المالية.
إجراءات تقشفية غير مسبوقة
اتخذت نيسان حزمة من الإجراءات التقشفية في محاولة لاحتواء الأزمة، من بينها:
- تسريح 9000 موظف، أي ما يمثل 6% من قوتها العاملة العالمية.
- خفض الإنتاج بنسبة 20% لتقليل النفقات.
- بيع ثلث حصتها في شركة ميتسوبيشي موتورز بهدف تعزيز السيولة.
- إغلاق مصانع في إندونيسيا وإسبانيا، مع خطط للانسحاب من أسواق إضافية.
فشل التحالفات الاستراتيجية
استراتيجيًا، سعت نيسان إلى تحالف جديد مع شركتي هوندا وميتسوبيشي، عبر تأسيس كيان قابض مشترك يهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية، لكن المفاوضات مع هوندا فشلت بشكل مفاجئ، ما زاد حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الشركة.
انسحاب رينو وبحث عن منقذ جديد
تلقت نيسان ضربة قوية بعد انسحاب شريكها التاريخي رينو، التي قررت بيع حصتها في الشركة وإنهاء شراكة استمرت أكثر من 20 عامًا، وتسابق الزمن لإيجاد مستثمر رئيسي خلال فترة تتراوح بين 12 إلى 14 شهرًا.
وتداولت تقارير حديثة أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) يجري مفاوضات محتملة للاستثمار في نيسان، لكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات رسميًا حتى الآن.
شبح كارلوس غصن يلوح من جديد
تعيد هذه الأزمة إلى الأذهان أزمة نيسان الكبرى عام 1999، عندما كانت على شفا الإفلاس بدين فاق 22 مليار دولار، حينها، جاء كارلوس غصن، رجل الأعمال اللبناني الأصل، كمنقذ للشركة، ونجح خلال عام واحد فقط في إعادة نيسان إلى الربحية من خلال خطة إصلاح جذرية شملت:
- خفض 21,000 وظيفة (14% من القوى العاملة).
- إغلاق 5 مصانع في اليابان.
- تقليص عدد الموردين وبيع أصول غير أساسية.
- تعزيز التحالف مع "رينو" الفرنسية.
تحت قيادة غصن، تحولت نيسان إلى واحدة من أكبر شركات السيارات مبيعًا في العالم بحلول 2015. لكن في 2018، انهارت هذه المسيرة بعد اعتقاله في اليابان بتهم فساد مالي، والتي وصفها بأنها "مؤامرة" لمنعه من دمج نيسان مع رينو، وقد فر غصن إلى لبنان في 2019، في عملية هروب هوليودية.
في تصريحاته الأخيرة، أكد غصن أن "الإدارة السيئة بعد خروجه" هي سبب الانهيار، مشيرًا إلى أن الشركة خسرت أكثر من 50 مليار دولار منذ 2018، وأنه رفع دعوى قضائية في لبنان ضد نيسان يطالب فيها بتعويض قدره مليار دولار بتهمة التشهير.
هل يمكن إنقاذ نيسان اليوم؟
بعكس ما حدث عام 1999، تواجه نيسان اليوم تحديات أكثر تعقيدًا، منها:
- المنافسة الشرسة من الشركات الصينية المتخصصة في السيارات الكهربائية.
- فقدان الشريك الاستراتيجي والداعم التكنولوجي رينو.
- التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع تكاليف الإنتاج.
- غياب القيادة الكاريزمية التي مثلها كارلوس غصن في السابق.
ومع ذلك، لا تزال هناك فرص للنجاة، إذا ما تمكنت نيسان من:
- جذب مستثمر استراتيجي جديد يوفر الدعم المالي والتكنولوجي.
- تسريع تطوير سيارات كهربائية قادرة على منافسة السوق.
- تحسين الكفاءة التشغيلية واستعادة ثقة المساهمين والأسواق العالمية.