طفرة النقل البحري في مصر.. نقلة نوعية نحو مركز عالمي للتجارة واللوجستيات

طفرة النقل البحري
طفرة النقل البحري في مصر.. نقلة نوعية نحو مركز عالمي للتجارة

تشهد مصر طفرة غير مسبوقة في قطاع النقل البحري، حيث أصبحت واحدة من أبرز الدول التي تسعى لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي وعالمي للتجارة واللوجستيات.

وبفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يربط بين ثلاث قارات عبر سواحلها الممتدة لأكثر من 2000 كيلومتر على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وقناة السويس كأهم شريان ملاحي عالمي، استطاعت مصر تنفيذ مشروعات ضخمة لتطوير الموانئ والبنية التحتية، مما عزز من قدرتها التنافسية على الساحة الدولية.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الطفرة الكبرى في مجال النقل البحري في مصر.

تطوير الموانئ: استثمارات ضخمة وتكنولوجيا حديثة

وخلال السنوات العشر الماضية (2014-2024)، ضخت مصر استثمارات بقيمة 129 مليار جنيه لتطوير الموانئ البحرية، بهدف استيعاب السفن العملاقة وزيادة الطاقة الاستيعابية.

ومن أبرز المشروعات إنشاء أرصفة جديدة بطول 70 كيلومترًا مزودة بأحدث التكنولوجيا، وتطوير 9 مناطق لوجستية وتصنيعية على مساحة 10 ملايين متر مربع.

كما شملت الخطة إنشاء شبكة طرق بطول 1600 كيلومتر و4 خطوط سكك حديدية، بما في ذلك شبكة كهربائية تربط الموانئ بمختلف أنحاء الجمهورية، مما يسهل نقل البضائع بكفاءة عالية.

ومن بين المشروعات البارزة، تطوير ميناء السخنة ليصبح أكبر ميناء على البحر الأحمر، ضمن الممر اللوجستي (السخنة - الإسكندرية)، الذي يربط الموانئ بخطوط السكك الحديدية، مما جذب استثمارات أجنبية ضخمة من كبرى شركات الشحن العالمية مثل "ميرسك" و"هتشسون".

وفي ميناء الإسكندرية، تم افتتاح محطة "تحيا مصر" متعددة الأغراض بتكلفة 550 مليون دولار، والتي تستقبل السفن العملاقة بطاقة تداول تصل إلى ملايين الحاويات سنويًا، مما يعزز مكانة مصر كمركز لوجستي عالمي.

قطاع النقل البحري
قطاع النقل البحري

النافذة البحرية الواحدة: خطوة نحو التحول الرقمي

وفي إطار التحول الرقمي، أطلقت مصر نظام "النافذة البحرية الواحدة" في أبريل 2024، والذي يلزم التوكيلات الملاحية بتسجيل بيانات السفن إلكترونيًا، مما يقلل من الوقت اللازم لإجراءات الشحن والتفريغ. 
وهذا النظام يعزز الكفاءة التشغيلية ويوفر بيئة تنافسية تجذب الشركات العالمية.

كما تم إنشاء منصة رقمية لتسهيل إصدار تصاريح سياحة اليخوت، مما يعزز من السياحة البحرية ويختصر الإجراءات الأمنية، وهو ما يتماشى مع استراتيجية مصر لتعظيم هذا القطاع.

النقل الأخضر: التزام بالتنمية المستدامة

وتتبنى مصر رؤية طموحة للنقل الأخضر، حيث أصبح ميناء شرق بورسعيد أول ميناء "أخضر" في مصر، يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة ويحقق معايير بيئية عالمية.

كما يتم تطوير الموانئ الأخرى لتصبح "موانئ خضراء"، مع التركيز على تقليل الانبعاثات واستخدام تكنولوجيا صديقة للبيئة.

وفي مجال النقل النهري، بدأت مصر تفعيل وحدات نهرية متطورة بمكونات محلية تصل إلى 80%، مما يقلل استهلاك الوقود بنسبة 64%، ويخفف الضغط على الطرق، ويقلل التلوث البيئي.

شراكات عالمية وتوسع في الأسطول البحري

وشهد قطاع النقل البحري تعاونًا وثيقًا مع كبرى الشركات العالمية، مثل "MSC" و"CMA CGM"، لتشغيل محطات الحاويات في موانئ الدخيلة وشرق بورسعيد والإسكندرية.

وهذه الشراكات عززت من حركة التجارة العالمية وتجارة الترانزيت عبر الموانئ المصرية.

كما عملت مصر على تحديث أسطولها التجاري، مع إضافة قاطرات حديثة مثل "أبو جندية" في ميناء دمياط، التي تتعامل مع سفن الغاز المسال والسفن العملاقة.

تأثير اقتصادي واعد

ووفقًا لتقارير حديثة، بلغ حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية في مصر 14.56 مليار دولار في 2024، مع توقعات بأن يصل إلى 18 مليار دولار بحلول 2029 بمعدل نمو سنوي 4.33%.

وهذا النمو يعكس الإنجازات الكبيرة في تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمارات.

كما سجلت موانئ البحر الأحمر نشاطًا كبيرًا، حيث تم تداول 11 ألف طن بضائع ونقل أكثر من 6 آلاف راكب في يوم واحد، مما يشير إلى تعافي حركة التجارة تدريجيًا.

رؤية مصر 2030: مركز عالمي للتجارة

وتتماشى هذه الطفرة مع رؤية مصر 2030، التي تهدف إلى تحويل مصر إلى بوابة لإفريقيا والعالم.

ومن خلال إنشاء ممرات لوجستية متكاملة مثل (السخنة - الإسكندرية) و(العريش - طابا)، وتطوير 25 ميناءً جافًا ومناطق لوجستية، تسعى مصر لربط مناطق الإنتاج بالموانئ بوسائل نقل سريعة وآمنة.

وهذه الجهود عززت من مكانة مصر في المنظمة البحرية الدولية، حيث فازت بالمركز الثاني في الفئة (C) بمجلس المنظمة عام 2023 بـ135 صوتًا.

وتؤكد طفرة النقل البحري في مصر التزام الدولة بتحقيق تنمية مستدامة وتعزيز مكانتها كمركز لوجستي عالمي.

ومن خلال استثمارات ضخمة، تكنولوجيا متطورة، وشراكات استراتيجية، تستعد مصر لقيادة مستقبل التجارة البحرية في المنطقة، محققة إنجازات تاريخية تدعم الاقتصاد الوطني وتفتح آفاقًا جديدة للنمو والازدهار.

تم نسخ الرابط