نهاية عصر صندوق النقد الدولي.. ماذا ينتظر الاقتصاد المصري؟

يشهد الاقتصاد المصري طفرة ملحوظة تدعم طموحه للاستغناء عن الدعم الخارجي، بما في ذلك برامج صندوق النقد الدولي، معتمدًا على قوته الذاتية وإصلاحات هيكلية عميقة.
وهذا التحول يعكس نجاح السياسات الاقتصادية في تحقيق استقرار مالي ونمو مستدام، مدعومًا بزيادة الاحتياطيات الأجنبية، تنشيط القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض أبرز العوامل التي تعزز قوة الاقتصاد المصري، وكيف يمهد هذا التحول الطريق لمستقبل اقتصادي مستقل.
نهاية الاعتماد على الصندوق
وفي مايو 2025، أكد رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي هو "برنامج مصري خالص"، وأن وجود صندوق النقد الدولي يمثل شهادة ثقة في الاقتصاد المصري بدلاً من فرض شروط.
وأوضح أن مصر لن تحتاج إلى برنامج جديد مع الصندوق بعد انتهاء البرنامج الحالي في 2026 أو 2027، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل على خطة طويلة الأجل حتى 2030 تهدف إلى تحقيق استقرار اقتصادي مستدام، خفض معدلات التضخم إلى أقل من 10%، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
تحسن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية
ويظهر الاقتصاد المصري مرونة وقوة من خلال تحسن مؤشراته الكلية، ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يحقق الاقتصاد في السنة المالية 2024/2025، مع توقعات بارتفاعه إلى 4.1% في 2025/2026.
وهذا النمو مدعوم بزيادة حصة الاستثمار الخاص، التي قفزت من 38.5% في النصف الأول من 2023/2024 إلى حوالي 60% في الفترة ذاتها من 2024/2025، وفقًا لتقرير الصندوق.
وهذا التحول يعكس نجاح سياسات الحكومة في تقليص بصمة القطاع العام وتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.

كما سجل معدل التضخم انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجع من 33.3% في 2024 إلى توقعات بتسجيل 13.4% بنهاية 2025/2026، نتيجة استقرار سعر الصرف بعد تحريره في مارس 2024 وزيادة الإنتاج المحلي.
والاحتياطيات الأجنبية شهدت هي الأخرى ارتفاعًا كبيرًا، حيث بلغت 46.95 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2024، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، مما يعزز قدرة مصر على مواجهة الالتزامات الخارجية دون الحاجة إلى تمويل إضافي.
تنويع مصادر الدخل والاستثمارات الأجنبية
وتعمل مصر على تنويع مصادر دخلها لتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي. مشروعات كبرى مثل تطوير محور قناة السويس، العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الذكية، جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 10.3 مليار دولار في 2024/2025، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وصفقة رأس الحكمة، التي وقعتها مصر مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار في فبراير 2024، ساهمت في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية ودعم مشروعات البنية التحتية.
كما شهد قطاع السياحة انتعاشًا قويًا، حيث ارتفعت الإيرادات السياحية إلى 13.6 مليار دولار في 2023/2024، مع توقعات بزيادة إلى 15 مليار دولار في 2024/2025، مدفوعة بتحسين البنية التحتية السياحية وزيادة عدد السياح الوافدين إلى 15 مليون سائح سنويًا.
إصلاحات هيكلية تدعم الاستدامة
ونجحت مصر في تنفيذ إصلاحات هيكلية طموحة، شملت تحرير سعر الصرف، تقليص دعم الوقود، وتحسين مناخ الاستثمار.
وهذه الإصلاحات، التي بدأت منذ 2016، ساهمت في استقرار السوق المحلي وتعزيز الثقة الدولية.
وبرنامج الطروحات الحكومية، الذي يهدف إلى بيع حصص في شركات مملوكة للدولة، حقق إيرادات تجاوزت 3.2 مليار دولار في 2024، مما يعكس التزام الحكومة بتقليص دور القطاع العام وزيادة كفاءة الاقتصاد.
والبنك المركزي المصري لعب دورًا محوريًا في هذا التحول من خلال سياسات نقدية صارمة، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم وتثبيت سعر الصرف.
كما ساهم قانون الاستثمار الجديد في تسهيل إجراءات تأسيس الشركات، مما جذب استثمارات محلية وأجنبية في قطاعات التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية.
رؤية 2030: الاستقلال الاقتصادي
وتسير مصر بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية 2030، التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
ومن خلال التركيز على الصناعات التحويلية، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، تسعى مصر إلى تقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الصادرات، التي ارتفعت بنسبة 10% في 2024 إلى 35.6 مليار دولار.
وهذه الجهود تعزز قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن التمويل الخارجي.
ويبرهن الاقتصاد المصري على قوته من خلال تحسن مؤشراته وتنوع مصادر دخله، مما يمكنه من التخلي تدريجيًا عن الاعتماد على دعم صندوق النقد الدولي.
وبفضل الإصلاحات الهيكلية، الاستثمارات الأجنبية، والسياسات النقدية الفعالة، تقترب مصر من تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
ومع استمرار هذه الجهود، يبدو المستقبل واعدًا لاقتصاد قادر على مواجهة التحديات العالمية بثقة واستدامة.