الهالة تتلاشى من حول سيدة الصفقات.. صمت يسبق الحساب

في عالم المال والأعمال، قليلون هم من يصعدون بسرعة البرق، ويحيطون أنفسهم بحصانة غير معلنة، أقرب إلى درع خفي يحجب عنهم أي مساءلة أو نقد.
سيدة الصفقات هي إحدى تلك الشخصيات التي كانت يومًا ما تُضرب بها الأمثال في النفوذ والنفوذ المضاد، تملأ القاعات حضورًا، وتتحكم في قرارات مصيرية خلف الستار .. امرأة لم يكن مجرد منصبها التنفيذي هو ما يمنحها القوة، بل علاقات متشعبة، وشبكات دعم معقدة، وأبواب تُفتح لها دون أن تطرق.
لكن لا شيء يدوم في دوائر السياسة والاقتصاد، خصوصًا عندما تُبنى الحصانة على توازنات دقيقة، وتحالفات لا تلبث أن تتبدد مع أول تغير في الرياح.
تلك الهالة التي أحاطت بها طويلاً، تبدو اليوم باهتة، بل وربما مكسورة .. من كانوا يدافعون عنها باستماتة، اختفوا من المشهد .. ومن كان يُقال إنه "يسند ظهرها"، بات لا يذكر اسمها، لا تصريحًا ولا تلميحًا.
المفارقة أن التراجع لم يأتِ دفعة واحدة، بل على مراحل، لكن اللافت أن المرحلة الأخيرة منه كانت قاسية .. خطوات غير مفهومة، قرارات مثيرة للجدل، ثم موجة انسحابات صامتة من داعمي الأمس .. كل ذلك رسم مشهدًا جديدًا لسيدة الصفقات.
لم يكن هذا التحول نتيجة صدفة، بل ثمرة تراكمات .. تقارير رقابية بدأت تُفتح وملفات كانت مُغلقة لعوامل لا علاقة لها بالكفاءة، باتت اليوم على الطاولة .. الأصابع لم تعد تشير إلى الإنجازات، بل إلى تضارب المصالح، وإلى استغلال ما كان يُمنح من سلطة بغطاء النفوذ.
في أروقة السوق، تزداد التسريبات بشأن تدقيق داخلي، وربما خارجي، لما جرى في سنوات النفوذ الهادئ والمؤسسة التي كانت تُدار بأسلوب فوقي، بدأت تخضع لمراجعة صارمة .. كل هذا يتم وسط صمت مطبق من البطلة السابقة للمشهد .. لا دفاع، لا ظهور إعلامي، لا محاولات للتبرير أو لطمأنة السوق، كما كانت تفعل دومًا ببراعة.
وهنا يكمن الفارق .. الصمت في حد ذاته رسالة .. لم تعد تملك ما يكفي من الحلفاء لتخرج وتتكلم .. من كانوا ينسقون المشهد لخدمتها، صاروا إما منشغلين بتصفية آثار ما مضى، أو يجهزون أنفسهم للمرحلة التالية، حيث لا مكان فيها لمن تُثقلهم الملفات.
ربما لا يُذكر اسمها في الصحف اليوم، لكن من يقرأ يفهم .. ومن يتابع يدرك أن هناك صفحة تُطوى بهدوء، وصفحة أخرى تُفتح على إيقاع المحاسبة والمراجعة .. وقد لا تكون تلك المحاسبة صاخبة، لكنها قادمة.
هكذا تسير الأمور في عالم المصالح: لا أحد محصّن للأبد، ولا نفوذ يدوم بلا ثمن .. أما الذين صعدوا سريعًا، دون أسس متينة، فغالبًا ما يكون سقوطهم أكثر وضوحًا... حتى وإن تمّ دون إعلان .. قد تكون النهاية صامتة، لكن وقعها سيكون مدويًا.