مصر القوية تنهض.. طفرة المدن الصناعية المحرك القوي للاقتصاد

في قلب الصحراء المصرية، حيث كانت الأراضي القاحلة تمتد لأميال، تتفتح اليوم مدن صناعية نابضة بالحياة، تحمل في طياتها أحلام جيل وطموحات أمة.
ولم تعد مصر مجرد أرض التاريخ والحضارة، بل أصبحت مركزًا صناعيًا واعدًا يجذب أنظار المستثمرين من شتى أنحاء العالم، حيث شهدت السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في إنشاء وتطوير المدن الصناعية، التي أضحت ركيزة أساسية لتحقيق رؤية مصر 2030 الطموحة.
ومن خلال بنية تحتية متطورة، تشريعات محفزة، وشراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، تسعى مصر لتحويل نفسها إلى قوة صناعية إقليمية، تحقق الاكتفاء الذاتي وتدعم التصدير.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض أبرز ملامح هذه النهضة الصناعية، وكيف أسهمت المدن الصناعية في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي المصري.
توسع غير مسبوق في المناطق الصناعية
وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المناطق الصناعية في مصر قفز من 121 منطقة في عام 2014 إلى 147 منطقة بحلول عام 2022، بما يشمل 17 منطقة بنظام المطور الصناعي بمساحة إجمالية تصل إلى 22.9 مليون متر مربع.
وهذا التوسع لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة استراتيجية واضحة تهدف إلى تعميق التصنيع المحلي، تقليل الاعتماد على الواردات، وتعزيز الصادرات.
وتتوزع هذه المناطق على 26 محافظة، مع تركيز كبير في القاهرة الكبرى التي تستحوذ على 15% من إجمالي المناطق، تليها الإسكندرية بـ9 مناطق، ثم أسيوط وبني سويف بثماني مناطق لكل منهما.
ومن أبرز المدن الصناعية التي أسست خلال هذه الفترة مدينة الجلود في الروبيكي، التي تعد الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، وتهدف إلى تنمية قطاع دباغة الجلود وتحسين جودة الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلي وزيادة الصادرات.
كما شهدت مدينة السادات إنشاء مشروعات ضخمة، مثل مدينة "ميديا مصر" الصناعية، التي تشمل مصانع لإنتاج الأجهزة المنزلية بمكون محلي يصل إلى 70%، مع توقعات ببدء الإنتاج قبل نهاية 2025.
دور الحكومة في تعزيز الاستثمار الصناعي
ولم تقتصر جهود الحكومة المصرية على إنشاء المناطق الصناعية فحسب، بل شملت تحسين بيئة الاستثمار من خلال تشريعات ميسرة وتيسيرات إجرائية.
وقد أصدر مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل لجنة رقم 2067 لعام 2022، التي تهدف إلى توحيد جهة التعامل مع المستثمرين، مما سهل تخصيص الأراضي الصناعية بمساحة 1.2 مليون متر مربع لـ219 مشروعًا صناعيًا.
كما تم إطلاق منصة مصر الصناعية الرقمية لتسهيل التقديم على الأراضي إلكترونيًا، مع تقديم حوافز مالية مثل سداد 10% فقط من قيمة الأرض كدفعة أولية.

وأسهمت سياسة "المطور الصناعي" في جذب استثمارات القطاع الخاص لتطوير المناطق الصناعية المرفقة، حيث يتجاوز الطلب السنوي على الأراضي الصناعية 7 ملايين متر مربع، بينما توفر الدولة حاليًا حوالي 3 ملايين متر.
ومشروع "طربول" الصناعي يعد نموذجًا بارزًا، حيث يهدف إلى استيعاب 13,000 منشأة صناعية وتوفير 700,000 فرصة عمل، خاصة في محافظات الصعيد.
التكنولوجيا والصناعات الذكية
وتشهد مصر توجهًا متزايدًا نحو الصناعات الذكية والتكنولوجيا المتقدمة، فقد أعلنت الحكومة عن إنشاء 9 مجمعات صناعية جديدة، منها اثنان للصناعات عالية التكنولوجيا خلال خطة 2023/2024.
وتتعاون مصر مع شركات عالمية لتوطين صناعات مثل النقل، السكك الحديدية، ومترو الأنفاق، مما يعزز القدرات المحلية ويقلل الفجوة بين الصادرات والواردات.
كما يجري تطوير خريطة استثمارية رقمية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية لتوفير بيانات دقيقة تدعم اتخاذ القرار وتسهل على المستثمرين اختيار المواقع المناسبة.
ومع استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية، التي بلغت حوالي 6 مليارات دولار في القطاعات غير البترولية خلال نصف عام، تتجه مصر نحو تحقيق نهضة صناعية مستدامة.
والهدف هو تحويل الاقتصاد المحلي إلى هيكلية أكثر تنوعًا وحداثة، مع التركيز على الصناعات المغذية وسلاسل التوريد المحلية، مما يعزز الاكتفاء الذاتي ويرفع تنافسية مصر في الأسواق العالمية.
وتعد طفرة المدن الصناعية في مصر شاهدًا حيًا على رؤية طموحة تسعى إلى تحويل البلاد إلى مركز صناعي ولوجستي إقليمي.
ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية، التشريعات المحفزة، والشراكات الدولية، تستعيد مصر مكانتها كقوة اقتصادية صاعدة.
وهذه النهضة الصناعية ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل قصة نجاح تروي قصة شعب يعمل بجد لتحقيق مستقبل مزدهر، حيث تتحول الأراضي القاحلة إلى مراكز إنتاج وابتكار، تحمل في طياتها آمال جيل جديد.