مصر تتوسع في مبادلة الديون بالاستثمارات وسط تراجع الاستثمارات الأجنبية

وسط تحديات اقتصادية إقليمية وعالمية، تسعى مصر إلى تنشيط أدواتها التمويلية والاستثمارية، من خلال التوسع في آلية "مبادلة الديون بالاستثمارات"، وذلك لتعويض التراجع الكبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومواجهة اتساع العجز في الميزان التجاري خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024/2025.
انخفاض صافي الاستثمارات
فبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 9.8 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلى مارس 2025، مقارنة بـ 23.7 مليار دولار في الفترة نفسها من العام المالي الماضي، والتي كانت قد سجلت صفقة استثنائية تمثلت في بيع أصول بمنطقة "رأس الحكمة".
وفي المقابل، أظهرت البيانات اتساع العجز في الميزان التجاري بنسبة 33% ليبلغ 38.3 مليار دولار، مقابل 28.8 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي السابق. وقد جاء هذا الارتفاع نتيجة نمو الواردات بنسبة 27.3% إلى 42.5 مليار دولار، مقارنة بـ 33.4 مليار دولار، مدفوعة بزيادة في واردات المنتجات الوسيطة والسلع الاستثمارية، وهو ما يعكس تعافيًا نسبيًا في النشاط الصناعي، لكنه يشكل ضغطًا على ميزان المدفوعات.
وشهدت الصادرات السلعية المصرية ارتفاعًا بنسبة 23.7% لتصل إلى 29.8 مليار دولار، مقابل 24.1 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق، بفضل الأداء الجيد في قطاعات الصناعات الكيماوية والهندسية والأغذية. غير أن هذا النمو لم يكن كافيًا لتقليص الفجوة التجارية المتسعة.
وتتحرك الحكومة نحو تفعيل آلية مبادلة الديون بالاستثمارات، وهي أداة مالية تسمح بتحويل جزء من الدين الخارجي إلى استثمارات مباشرة، بالشراكة مع الجهات الدائنة، بما يسهم في تقليص أعباء خدمة الدين وتحفيز النمو الاقتصادي.
مبادلة الديون بالاستثمارات
وصرح علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، بأن آلية مبادلة الديون بالاستثمارات تمثل فرصة كبيرة لمصر، خاصة إذا تم توجيهها إلى مشروعات إنتاجية استراتيجية في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتعليم، موضحًا أن عدة دول نامية مثل إندونيسيا وباكستان نجحت في تنفيذ برامج مشابهة، ما أسهم في تحسين مؤشرات التنمية لديها.
وأشار عيسى إلى أن التحدي الرئيسي في هذه المبادلات يكمن في تصميم آلية عادلة وشفافة تحقق مصلحة مصر، مع ضمان مشاركة حقيقية من القطاع الخاص المحلي في هذه المشروعات، مضيفًا أن نجاح التجربة يتوقف أيضًا على وجود بيئة قانونية مستقرة وتشريعات مرنة تشجع على تحويل الدين إلى أصول ذات جدوى اقتصادية.
وتأتي هذه التوجهات ضمن إطار أوسع لإعادة هيكلة المالية العامة ومصادر التمويل في مصر، في ظل التزامات إصلاحية متزايدة أمام المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وبعد تقلبات شهدتها الأسواق العالمية أثّرت سلبًا على حركة رؤوس الأموال.
ونجاح مبادلات الديون يتطلب تحركًا متوازنًا يجمع بين الإصلاحات الداخلية والتحفيز الاستثماري الخارجي، بما يدعم الاقتصاد المصري في سعيه لتحقيق استقرار مالي طويل الأمد، ويعزز من قدرته على مواجهة الصدمات الخارجية وتنشيط قطاعات الإنتاج والتصدير.