هندسة الأرباح داخل بلتون.. أرقام مشرقة تُخفي هشاشة مالية؟

داليا خورشيد
داليا خورشيد

رغم التحديات التي تواجه قطاع الخدمات المالية في مصر، تواصل شركة بلتون المالية القابضة إعلان نتائج إيجابية وتحقيق أرباح على الورق، ما يثير تساؤلات متزايدة في الأوساط الاستثمارية حول مصادر هذه الأرباح، ومدى ارتباطها بنشاط تشغيلي حقيقي، أو ما إذا كانت نتاجًا لما يُعرف بـ"هندسة الأرباح" باستخدام أدوات مالية قانونية، ولكن بتوظيف ذكي ومثير للريبة.

مخصصات تتغير بإيقاع غير مفهوم

من أبرز الأدوات التي يُشتبه باستخدام بلتون لها لتلميع نتائجها المالية، التلاعب في بند المخصصات، فبينما يُفترض أن تعكس المخصصات تقديرًا واقعيًا للمخاطر والديون المعدومة، تظهر تقارير الشركة السنوية والربع سنوية تغيرًا ملحوظًا في حجم هذه المخصصات من فترة لأخرى، دون تفسير واضح يعكس تغيرًا في طبيعة المخاطر التشغيلية.

فعلى سبيل المثال، أظهرت القوائم المالية لعام 2023 انخفاضًا حادًا في مخصص خسائر الائتمان في إحدى الشركات التابعة، رغم اتساع نشاط التمويل الموجه لمحدودي الدخل – وهي شريحة بطبيعتها عالية المخاطر – مما أثار شكوك المحللين بشأن دقة هذا الانخفاض.

وهو ما يُفسَّر بأنه محاولة لإظهار ربح أكبر في نهاية العام، عبر تجميل نتائج النشاط دون وجود تحسّن فعلي في جودة الأصول أو تحصيلات القروض.

أرباح دفترية لا تعني تدفقًا نقديًا

في أكثر من مناسبة، أدرجت بلتون أرباحًا ناتجة عن إعادة تقييم استثمارات وأصول مالية داخل ميزانياتها، دون بيع فعلي لهذه الأصول. ومن أبرز الأمثلة، ما تم تسجيله في نتائج الربع الثالث من عام 2023، حين ظهرت أرباح تزيد عن 80 مليون جنيه من "فروقات تقييم أصول مالية محتفظ بها لغرض المتاجرة"، دون توضيح دقيق لطبيعة هذه الأصول أو آلية تقييمها.

رغم أن هذه المعالجة قانونية وفقًا للمعايير المحاسبية، إلا أنها لا تعني وجود سيولة نقدية حقيقية دخلت الشركة، وبالتالي، فإن هذه الأرباح تظل دفترية بحتة، ويمكن أن تُمحى في أي لحظة بتغير الأسعار أو إعادة التقييم في الفترات التالية.

معاملات داخلية تُعقّد الصورة المالية

تضم مجموعة بلتون عددًا كبيرًا من الشركات التابعة في مجالات متعددة، من التمويل الاستهلاكي (Seven)، إلى إدارة الأصول، إلى الإعلام. ويتيح هذا الهيكل إمكانية نقل الأرباح والخسائر بين الكيانات الداخلية عبر عمليات شراء أو خدمات متبادلة.

فقد كشفت مصادر مطلعة أن بعض الشركات التابعة قامت بشراء خدمات من كيانات شقيقة داخل نفس المجموعة بأسعار مبالغ فيها، وهو ما يعزز أرباح شركة على حساب أخرى، دون تغيير حقيقي في صافي أرباح المجموعة ككل.

هذا النوع من "هندسة الأرباح الداخلية" يمنح الإدارة القدرة على توجيه الأرباح نحو شركات يرغبون في إظهارها بوصفها ناجحة أمام المستثمرين أو السوق، خاصة عند إطلاق كيان جديد مثل Seven، والذي حظي بزخم إعلامي دون ظهور حقيقي لنتائج تشغيلية.

الخطورة على السوق والمستثمرين

مثل هذه الممارسات، وإن لم تكن تزويرًا صريحًا، إلا أنها تشوّه الصورة الحقيقية للشركة أمام المستثمرين والمساهمين، فهي تعطي انطباعًا بوجود تحسن مالي مستدام، بينما في الواقع يكون النشاط الفعلي هشًا أو لا يحقق تدفقات نقدية كافية.

والمخاوف تتزايد عندما تتكرر هذه الأساليب من ربع إلى آخر، وتُصبح أداة أساسية في نتائج الشركة، بدلًا من الاعتماد على أداء تشغيلي حقيقي.

دعوة للتدقيق والمحاسبة

في ظل هذه المؤشرات، يُطالب خبراء السوق المالي بإخضاع بلتون وشركاتها التابعة إلى تدقيق مالي خارجي مستقل، يركز على:

مصادر الأرباح غير التشغيلية.

تفاصيل المخصصات والقيود المحاسبية المتغيرة.

المعاملات المتبادلة بين الكيانات الشقيقة.

كما أن هيئة الرقابة المالية مطالبة بالتحرك للتحقق من ممارسات هندسة الأرباح، حماية للسوق والمستثمرين، وضمانًا للشفافية.

وحين تأتي الأرباح من قلم المحاسب لا من قوة السوق، تصبح الأرقام بريقًا زائفًا، وبلتون، رغم تاريخها المالي المعروف، قد تجد نفسها في مهب العاصفة ما لم توضّح الحقائق… وتكشف: كيف تصنع أرباحها؟

تم نسخ الرابط