مصر ومعركة الدين.. كيف تسعى الحكومة إلى خفض الديون والسيطرة عليها؟

في خضم التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، تبرز مصر كنموذج طموح يسعى لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وخفض أعباء الدين العام، وبقيادة حكومة واعية بأهمية الاستدامة المالية، تعمل مصر على تنفيذ استراتيجيات دقيقة لتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
وتصريحات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووزير المالية أحمد كجوك تعكس رؤية واضحة تهدف إلى إعادة هيكلة المالية العامة، وتعزيز الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الجهود المصرية لخفض الدين العام، مستندين إلى أحدث التصريحات الرسمية والبيانات الموثوقة، لنقدم صورة شاملة عن هذا المسار الاقتصادي الحيوي.
استراتيجية خفض الدين
وأكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في عدة مناسبات أن خفض الدين العام يمثل أولوية قصوى للحكومة، مشيرًا إلى أن مصر تستهدف تقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 80% خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي تصريحاته الأخيرة، أشار مدبولي إلى أن الحكومة تعمل على تنويع مصادر التمويل، مع التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز الصادرات لتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
وأوضح أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في 2016، والذي تضمن تحرير سعر الصرف وزيادة كفاءة الإنفاق العام، ساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، مما مهد الطريق لخفض الدين بشكل تدريجي.
من جانبه، كشف وزير المالية أحمد كجوك، في حوار مع قناة CNBC عربية، عن إنجازات ملموسة في هذا السياق، حيث أشار إلى أن مصر نجحت في خفض نسبة الدين بنحو 10% خلال عامين فقط، لتصل إلى حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو 2025.
وأوضح كجوك أن هذا الإنجاز جاء نتيجة سياسات مالية منضبطة، تشمل تحسين جمع الإيرادات الضريبية دون فرض أعباء إضافية على المواطنين، وإعادة توجيه الإنفاق نحو مشروعات ذات أولوية مثل البنية التحتية والصحة والتعليم.
الإجراءات العملية لخفض الدين
وتعتمد مصر على عدة ركائز أساسية لتحقيق هدف خفض الدين:
تعزيز الإيرادات العامة
وتسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات غير الضريبية من خلال تطوير أصول الدولة وطرح حصص من الشركات الحكومية في البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين.
وأشار مدبولي إلى أن برنامج الطروحات الحكومية، الذي يشمل بيع حصص في شركات مثل البنك التجاري الدولي وبعض شركات البتروكيماويات، يهدف إلى جمع مليارات الدولارات لتخفيف الضغط على الموازنة العامة.

تقليص الإنفاق غير الضروري
وأكد كجوك أن الحكومة تعمل على ترشيد الإنفاق العام، مع التركيز على استكمال المشروعات القومية الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة وتطوير شبكة النقل، مع ضمان عدم التوسع في مشروعات جديدة قد تزيد من أعباء الدين.
إدارة الدين الخارجي
كما تعمل مصر على إعادة هيكلة محفظة الدين الخارجي من خلال الاعتماد على قروض ميسرة طويلة الأجل من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، مع تقليل الاقتراض قصير الأجل بفوائد مرتفعة.
وأشار مدبولي إلى أن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في 2024، والذي تضمن تمويلًا بقيمة 8 مليارات دولار، ساهم في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي وتخفيف الضغط على الدين الخارجي.
تحفيز النمو الاقتصادي
ويرى المسؤولون أن تعزيز النمو الاقتصادي هو المفتاح لتقليل نسبة الدين إلى الناتج المحلي، وفي هذا السياق، أشار مدبولي إلى أن مصر تستهدف تحقيق معدل نمو يتراوح بين 4-5% سنويًا، من خلال دعم القطاعات الحيوية مثل الصناعة، السياحة، والزراعة.
وتسير مصر بخطى واثقة نحو خفض نسبة الدين العام، مستندة إلى رؤية اقتصادية شاملة تجمع بين الانضباط المالي وتحفيز النمو.
وتصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية تعكس التزامًا قويًا بتحقيق الاستدامة المالية، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد ودعم الفئات الأكثر احتياجًا.
وورغم التحديات، فإن الإنجازات الأخيرة، مثل خفض نسبة الدين إلى 85% من الناتج المحلي، تؤكد أن مصر على الطريق الصحيح، ومع استمرار الإصلاحات وتعزيز الشراكات الدولية، يبدو المستقبل واعدًا لتحقيق توازن اقتصادي يعزز مكانة مصر كقوة إقليمية متماسكة.