مصر تتحدى الأزمات.. توقف تراجع إنتاج الغاز يعيد الثقة ويجذب مليارات الدولارات

إنتاج الغاز الطبيعي
إنتاج الغاز الطبيعي

في تطور يعيد الثقة إلى قطاع الطاقة المصري، نجحت مصر في وقف التراجع الذي استمر لأربع سنوات في إنتاج الغاز الطبيعي، مع بدء الزيادة الفعلية في الإنتاج منذ أغسطس الماضي، وهذا التحول جاء نتيجة مباشرة لصرف الحكومة المستحقات المتأخرة للشركات الأجنبية، مما شجع عودة الاستثمارات واستئناف أعمال التنقيب والإنتاج.

ووفقاً لتقارير رسمية، ارتفع الإنتاج اليومي من الغاز بنحو 200 مليون قدم مكعب، ليصل إلى أكثر من 4.1 مليار قدم مكعب يومياً، مع توقعات بوصوله إلى 6.6 مليار قدم مكعب بحلول 2027.

ويعد هذا الإنجاز خطوة حاسمة نحو استعادة مصر دورها كمركز إقليمي للغاز الطبيعي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية والطلب المتزايد على الطاقة النظيفة نسبياً.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التفاصيل والآثار المتوقعة لهذا التعافي، مع التركيز على الدور الحكومي والشراكات الدولية.

التراجع في إنتاج الغاز الطبيعي في مصر

وشهد قطاع الغاز المصري تراجعاً حاداً على مدار الأعوام الأربعة الماضية، حيث انخفض الإنتاج اليومي من أكثر من 6.6 مليار قدم مكعب في 2022 إلى 4.1 مليار قدم مكعب في أبريل 2025، وفقاً لبيانات الجهاز المشترك للبيانات.

وكان هذا التراجع ناتجاً عن عوامل متعددة، أبرزها التقادم الطبيعي للحقول الرئيسية مثل حقل "ظهر" في البحر المتوسط، بالإضافة إلى نقص الاستثمارات بسبب أزمة العملة الأجنبية وتراكم مستحقات الشركات الأجنبية التي بلغت 3.2 مليار دولار حتى منتصف 2024.

وأدى هذا التراجع إلى تحويل مصر من مصدر إقليمي للغاز المسال (LNG) إلى مستورد، حيث استوردت 1.75 مليار متر مكعب في الربع الثاني من 2025 بتكلفة 13.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

كما أثر على قطاع الكهرباء، مما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى انقطاعات كهرباء في الصيف ورفع أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 15% في أبريل 2025 لتخفيض الدعم المالي الذي بلغ 10 مليار جنيه شهرياً.

صرف المستحقات المفتاح لاستعادة الثقة في السوق المصري

وكان صرف المستحقات المتأخرة الخطوة الحاسمة التي أعادت الدورة الإيجابية إلى القطاع، ففي سبتمبر 2024، سددت الحكومة 1.2 مليار دولار كدفعة أولى، تلتها دفعات شهرية منتظمة بلغت إجمالي 1 مليار دولار إضافي في الفترة من يناير إلى أغسطس 2025، مع خطة لتصفية الباقي قبل نهاية العام.

إنتاج الغاز الطبيعي
إنتاج الغاز الطبيعي

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في اجتماعه مع محرري الصحف في سبتمبر 2025 أن "هذه الالتزامات الشهرية أعادت الثقة للشركاء الأجانب، مما سمح باستئناف الاستكشاف والإنتاج".

وهذه الخطوات جاءت مدعومة بحزم حوافز جديدة أعلن عنها وزير البترول كريم بدوي في أغسطس 2024، تشمل رفع سعر حصة الشركات من الإنتاج الجديد وسماحها بتصدير جزء من حصصها لسداد الديون، ونتيجة لذلك، وقعت الحكومة اتفاقيات بقيمة 340 مليون دولار في يوليو 2025 مع شركات دولية لتعزيز الإنتاج في البحر المتوسط وخليج السويس.

مشاريع رئيسية تدفع الزيادة في الإنتاج

ومع عودة الاستثمارات، أصبحت الشركات الأجنبية أكثر نشاطاً، وعلى سبيل المثال، أعلنت شل في أغسطس 2025 عن ربط ست آبار جديدة في مشروع غرب دلتا العميق، مما أضاف 60 مليون قدم مكعب يومياً إلى الإنتاج، بما في ذلك 50 مليون من بئر "سفاير ساوث سنترال".

كما استأنفت إني الإيطالية الحفر في حقل "ظهر"، حيث ارتفع الإنتاج بنسبة 12% إلى 25.5 مليار متر مكعب في 2024، مع استثمارات بـ535 مليون دولار في 2025 لتطوير الحقل.

من جانبها، رفعت بي بي البريطانية إنتاجها في حقل "ريفين" بنحو 200 مليون قدم مكعب يومياً من بئر "غرب ريفين-4"، بينما زادت أباتشي إنتاجها في الصحراء الغربية إلى أعلى مستوى في عامين.

وفي إطار الجولة الاستكشافية الجديدة لعام 2024/2025، تم منح ست مناطق استكشافية جديدة وسبع اكتشافات غير مطورة، مع دعوة للتقديم حتى 30 سبتمبر 2025.

وهذه المشاريع ليست فقط محلية/ فمصر وقعت اتفاقيات مع قبرص لاستيراد غاز اعتباراً من 2027، ومددت صفقة الغاز مع إسرائيل حتى 2040، مما يعزز من قدرتها على التصدير إلى أوروبا.

توفير مليارات وتعزيز الأمن الطاقي

ويتوقع أن يؤدي هذا التعافي إلى توفير 3.6 مليار دولار في فاتورة الاستيرادات من الوقود، حيث بلغ الاستهلاك الداخلي 83.6 مليون طن في 2025، مغطى بنسبة 60 مليون طن من الإنتاج المحلي.

كما سيساهم في استقرار أسعار الكهرباء والوقود، مع تقليل الاعتماد على الدعم المالي الذي انخفض بنسبة 63% في 2024 و14.8% في أبريل 2025.

واقتصادياً يقدر أن يصل حجم الاستثمارات في القطاع إلى 8.7 مليار جنيه في العام المالي 2024-2025، مما يولد فرص عمل ويحقق وفراً مالياً بـ30 مليون جنيه من ترشيد الطاقة.

وفي سياق الطاقة المتجددة، أعلن وزير الكهرباء محمود عصمت في يونيو 2025 عن تسريع مشاريع الطاقة الشمسية، لتكمل الغاز في مزيج الطاقة الوطني.

ويمثل وقف تراجع إنتاج الغاز في مصر نقطة تحول استراتيجية، تعكس التزام الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية والشراكات الدولية/ مع استمرار هذه الجهود، ستكون مصر أكثر أماناً طاقياً واقتصاديًا.

تم نسخ الرابط