استثمارات ضخمة في الأفق.. ماذا يعني انخفاض تكلفة التأمين على السندات المصرية؟

في تطور يعكس ثقة المجتمع المالي الدولي المتزايدة بالاقتصاد المصري، انخفض مؤشر تكلفة التأمين على مخاطر تخلف مصر عن سداد السندات الدولية، المعروف باسم CDS (Credit Default Swap)، إلى مستوى 3.8%.
وهذا الانخفاض الملحوظ، الذي يعد أدنى مستوياته منذ أشهر، يأتي في وقت تشهد فيه الاقتصادات الناشئة تحديات عالمية متزايدة، مثل التوترات الجيوسياسية والتضخم العالمي.
ووفقاً لتقارير حديثة، يعكس هذا المؤشر تحسناً في التصورات الائتمانية لمصر، مدعوماً بزيادة الاحتياطيات الأجنبية إلى نحو يقارب 50 مليار دولار أمريكي في يوليو 2025.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض معنى هذا الانخفاض وتداعياته على الاقتصاد المصري، حيث يمثل شهادة دولية على سير مصر في الاتجاه الصحيح".
ما هو مؤشر CDS وكيف يقيس مخاطر الدول؟
ومؤشر CDS هو أداة مالية عالمية تستخدم لقياس مخاطر الإفلاس أو التخلف عن سداد الديون السيادية للدول، ويعرف بـ"سواب الائتمان الافتراضي"، ويحدد تكلفة التأمين الذي يدفعه المستثمرون للحماية من خسائر محتملة في حال فشل الدولة في سداد سنداتها.
وكلما انخفض المؤشر، كلما قلت المخاطر المتصورة، مما يعني تكاليف إقراض أقل للدولة المعنية، وفي حالة مصر، كان المؤشر يتجاوز 8% في أوائل 2024، قبل أن ينخفض تدريجياً مع الإصلاحات الاقتصادية، ليصل إلى 3.8% في سبتمبر 2025.
وهذا الانخفاض يعادل انخفاضاً بنسبة تزيد عن 50% عن أعلى مستوياته خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة، مما يجعل مصر أكثر جاذبية للمستثمرين مقارنة بدول ناشئة أخرى مثل تركيا أو الأرجنتين.

والدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي البارز، تحدث حول الدلالات الإيجابية لانخفاض تكلفة التأمين على مخاطر تخلف مصر عن سداد السندات الدولية، مؤكدًا أن هذا المؤشر العالمي، الذي يقيس المخاطر المالية للدول، يعكس بجلاء التقدم الملحوظ الذي أحرزه الاقتصاد المصري.
وأوضح في تصريحات خاصة، أن انخفاض هذا المؤشر يعد شهادة دولية على سير مصر في الاتجاه الصحيح، مؤكدًا أن الاقتصاد المصري يشهد تعافيًا قويًا، مدعومًا بمخزون دولاري وصل إلى 50 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية جميع الالتزامات المالية في مواعيدها بدقة وكفاءة.
دعم دولاري قوي وإصلاحات ناجحة
يأتي انخفاض CDS في سياق تعاف اقتصادي ملموس لمصر خلال عام 2025، ووفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في أبريل 2025، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.5% في 2025، مدعوماً بزيادة الاستثمارات الخاصة والإصلاحات الهيكلية.
كما أفاد صندوق النقد الدولي في مارس 2025، بعد إكمال المراجعة الرابعة لبرنامج التمويل الموسع، بأن النمو يتسارع إلى 3.5% في الربع الأول من العام المالي 2024/2025، مع تراجع التضخم إلى 16.5% في الربع الأول من 2025.
وهذه الأرقام تتفق مع توقعات رويترز في يوليو 2025، التي ترى نمواً بنسبة 4% للعام المالي المنتهي في يونيو 2025، مع انخفاض التضخم إلى 12.5% في 2025/2026.
وأشار الدكتور خطاب إلى أن هذا الإنجاز يبرز الإدارة الحكيمة للسياسات النقدية من قبل البنك المركزي والبنوك الحكومية، خاصة فيما يتعلق بإدارة أذون الخزانة والسندات.

وأضاف أن هذه الكفاءة الإدارية تعزز من جاذبية مصر كوجهة استثمارية، حيث تشجع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات مباشرة في السوق المصرية.
وأكد أن هذا الانخفاض في مؤشر CDS سيمهد الطريق لتحسين التصنيف الائتماني لمصر، مما سيتيح للحكومة طرح المزيد من سندات الخزانة بمخاطر أقل، وهو ما سيعزز من مكانة مصر في الأسواق المالية العالمية.
وبالفعل، أشاد الدكتور خطاب بالجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة المصرية بالتعاون مع البنك المركزي والمجموعة الاقتصادية، والتي أثمرت عن هذه النتائج المتميزة.
وأكد أن انخفاض المؤشر يعكس قوة الوضع السيادي لمصر في إدارة أصولها ومواردها المالية، مما يجعلها وجهة آمنة وجاذبة للمستثمرين العرب والأجانب.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن هذا الإنجاز يطمئن المستثمرين بأن الأوضاع المالية في مصر، بما في ذلك توفير العملات الأجنبية وتسهيل تحويلها، تتم في إطار آمن ومستقر، مما يعزز الثقة في البيئة الاستثمارية.
التداعيات الإيجابية
ويترتب على انخفاض CDS إلى 3.8% تداعيات إيجابية متعددة على الاقتصاد المصري، أولاً يقلل من تكلفة الاقتراض الخارجي، مما يتيح للحكومة طرح سندات بفوائد أقل، وفقاً لتقرير BNP Paribas في فبراير 2025 الذي يصف الاقتصاد المصري بأنه "يستعيد الزخم رغم التحديات".
كما يدعم نمو الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي ارتفع بنسبة 45% في 2024 بفضل صفقة رأس الحكمة بـ35 مليار دولار، كما ذكرت البنك المركزي المصري في تقريره.
وأضاف الدكتور خطاب في تصريحاته أن هذه النتائج لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة جهود متواصلة من الحكومة للحفاظ على استقرار معدلات التضخم، تقليص الدين العام، وتحسين استثمار القروض الخارجية بما يحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا.
وشدد على أن مصر تسير بخطى ثابتة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، داعيًا إلى استمرار هذه الجهود لتحقيق تحسن شامل في جميع المؤشرات الاقتصادية.
واختتم تصريحاته مؤكدًا أن هذا الإنجاز يعكس التزام الحكومة المصرية بتعزيز استقرار الاقتصاد وجذب الاستثمارات، مما يضع مصر على الطريق الصحيح نحو تحقيق طفرة اقتصادية شاملة.
ويعد انخفاض CDS إلى 3.8% علامة مشجعة على انتقال مصر من أزمة إلى أمل، ومع استمرار الإصلاحات، يمكن لمصر تحقيق طفرة اقتصادية تشمل جميع القطاعات، مما يعزز مكانتها كوجهة استثمارية رئيسية في الشرق الأوسط.