مصر تستعد لثورة سياحية .. المتحف الكبير ومشاريع الساحل وخطة كبرى لجذب 50 مليون سائح

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية، تبرز مصر كوجهة سياحية رائدة، حيث تشهد طفرة سياحية غير مسبوقة تجعلها في صدارة الوجهات الأكثر جاذبية عالمياً، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير في نوفمبر المقبل، وإطلاق مشروعات عملاقة في الساحل الشمالي ورأس الحكمة وساحل البحر الأحمر، يتوقع الخبراء قفزة هائلة في أعداد السياح والإيرادات.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التطورات الأخيرة، لنبرز كيف تحولت مصر إلى نموذج للسياحة المستدامة والمتكاملة.
نقطة تحول في السياحة الثقافية
ويعد المتحف المصري الكبير، الذي يقع أمام أهرامات الجيزة، أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، حيث يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بما في ذلك كنوز توت عنخ آمون الكاملة.
وبعد تأخيرات عديدة بسبب التوترات الإقليمية، أعلنت وزارة السياحة والآثار أن الافتتاح الرسمي سيكون في 1 نوفمبر 2025، مصادفاً ذكرى اكتشاف مقبرة الملك توت، مع فتح أبوابه للزوار العامة في 4 نوفمبر.
والمتحف، الذي بدأ مرحلة الافتتاح الناعم في فبراير 2025، استقطب بالفعل آلاف الزوار لـ12 قاعة رئيسية، لكنه سيصبح "هدية للبشرية" كما وصفه مديره العام عاطف مفتاح.
ويتوقع أن يرفع المتحف حصة السياحة الثقافية إلى 45-50% من إجمالي السياحة الوافدة، مقارنة بـ40% حالياً، وفقاً لعضو الاتحاد المصري للغرف السياحية علي غنيم.
وهذا التحول يعزز التكامل بين السياحة الشاطئية والثقافية، مما يطيل مدة إقامة الزوار ويزيد من إنفاقهم، وشركات السياحة الأوروبية أدرجت المتحف بالفعل في برامجها، خاصة للسياح المهتمين بالآثار، مما يبشر بزيادة فورية في التدفقات إلى القاهرة.
قفزة في الإيرادات السياحية
وشهد القطاع السياحي المصري نمواً متسارعاً، حيث ارتفعت الإيرادات من 4.9 مليار دولار في 2020/2021 إلى 15.3 مليار دولار في 2024، بزيادة سنوية 16.3%، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
وفي النصف الأول من 2025، بلغت الإيرادات 8 مليار دولار، بنمو 22% عن العام الماضي، مما يضع مصر على مسار تحقيق 17 مليار دولار بنهاية العام، كما يتوقع الخبير السياحي عماري عبد العظيم، رئيس شعبة السياحة والطيران سابقاً.
ووفقاً لتقرير مجلس السفر والسياحة العالمي (WTTC)، سيساهم القطاع بـ1.4 تريليون جنيه مصري في الناتج المحلي الإجمالي لـ2024 (8.5%)، ويصل إلى 8.6% في 2025 بنمو 4.9%.
وهذا النمو مدعوم بزيادة الإنفاق الدولي إلى 768 مليار جنيه في 2025، مع ارتفاع معدل الإنفاق للسائح إلى 1100 دولار، في حين أكد رجل الأعمال كامل أبو علي، رئيس مجموعة "بيك الباتروس"، أن المتحف سيكون "حافزاً قوياً" لإعادة القطاع إلى مستويات ما قبل الأزمات، مشيراً إلى أن التوترات الجيوسياسية خفضت النمو من 20% إلى 14% حالياً، لكنه يتوقع ارتفاعاً إلى 25% مع التهدئة.

مشروعات عملاقة في الساحل الشمالي ورأس الحكمة
وتعد مشروعات الساحل الشمالي، خاصة رأس الحكمة، محور الطفرة السياحية، حيث وقعت الحكومة اتفاقية بـ35 مليار دولار مع "القابضة الإماراتية ADQ" لتطوير المنطقة إلى مدينة ذكية تغطي 170 كيلومتراً مربعاً، تشمل فنادق فاخرة، مارينا، ومنطقة حرة اقتصادية.
وأعلنت ADQ في مارس 2025 عن تعيين "مودون هولدينج" كمطور رئيسي، مع بدء الأعمال في أوائل 2025 وإكمال المشروع بحلول 2030، مما يجذب 8 ملايين سائح إضافي.
وكما وقعت مذكرة تفاهم مع "السويدي للتطوير الصناعي" لبناء منطقة صناعية بـ10 ملايين متر مربع لإنتاج مواد بناء مستدامة.
وعضو غرفة شركات السياحة مجدي صادق يرى أن هذه المشروعات تخلق تكاملاً سياحياً يتيح التنقل السريع من الساحل إلى القاهرة عبر شبكة الطرق الجديدة، مما يحول مصر إلى وجهة طوال العام.
وفي الساحل الشمالي، يبرز مشروع "مدينة العلمين الجديدة" بـ50 ألف فدان، يشمل 7 فنادق فاخرة ومارينا عالمية، مما يهدد هيمنة الوجهات الأوروبية مثل برشلونة ونيس.
جذب الفئات الأعلى إنفاقاً
وعلى ساحل البحر الأحمر، أطلقت الحكومة مشروع "مراسي البحر الأحمر" بـ900 مليار جنيه (18 مليار دولار) مع "إعمار مصر" و"سيتي ستارز" السعودية، لتطوير مدينة سياحية فاخرة تشمل فنادق ومنتجعات.
كما وقعت اتفاقية مع "صن رايز" المصرية و"ماينور" الدولية لإدارة 50 فندقاً جديداً، وهذه المشروعات تجذب شريحة السياح المرتفعي الإنفاق، خاصة الشباب، الذين يؤثرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويأتي استهداف هذه الفئة لزيادة الإيرادات، مع التركيز على الاستدامة.
17 - 18 مليون سائح بحلول 2026
وحققت مصر 15.7 مليون سائح في 2024، بنمو 21% في الربع الأول من 2025، محتلة المركز العاشر عالمياً.
ووصل عدد الزوار إلى 8.7 مليين في النصف الأول من 2025، بنمو 23-24%، مع معدلات إشغال فنادق 80%، و90% في شرم الشيخ وهورغادا.
ويتوقع الخبراء 17-18 مليون سائح بنهاية 2025، مع زيادة 20-25% بحلول 2026، شريطة التهدئة الإقليمية، في حين أن الحكومة تستهدف 30 مليون سائح بحلول 2028، و130 مليون بين 2025-2030، و50 مليون بحلول 2050، وفق الاستراتيجية الوطنية للسياحة المستدامة.
ولدعم هذا النمو، يجب رفع الطاقة الفندقية إلى 300 ألف غرفة مقابل 220 ألفاً حالياً، مع حوافز مثل الإعفاء الضريبي لمدة 5 سنوات لشقق الإيجار السياحي.
ومع المتحف الكبير والمشروعات العملاقة، تتحول مصر إلى قوة سياحية عالمية، تجمع بين التراث والحداثة، وهذه الطفرة ليست مجرد أرقام، بل فرصة للتنمية المستدامة.