من 150 إلى 240 مليار.. كيف حققت مصر أكبر قفزة في تاريخ مبيعات الأدوية؟
                            في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، يشهد سوق الدواء المصري طفرة غير مسبوقة، حيث بلغت مبيعاته 240 مليار جنيه مصري خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، بنمو يصل إلى 42% مقارنة بالعام السابق.
وهذا الارتفاع الدراماتيكي، الذي أكدته تقارير هيئة الدواء المصرية ومؤسسات بحثية دولية مثل IQVIA وفيتش، يعكس قوة الاقتصاد المصري في قطاع الرعاية الصحية، مدعومًا بسياسات حكومية جريئة واستثمارات محلية وأجنبية.
ومع اقتراب نهاية العام، يتوقع الخبراء أن يتجاوز إجمالي المبيعات 400 مليار جنيه، مما يجعل مصر أكبر سوق دوائي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التفاصيل والعوامل الرئيسية وراء هذه الطفرة.
من 150 إلى 240 مليار جنيه في أقل من عام
وبدأ عام 2025 بقوة في سوق الدواء المصري، حيث سجلت المبيعات خلال النصف الأول 186.7 مليار جنيه، بارتفاع 56% عن الفترة المماثلة في 2024، وفقًا لتقرير IQVIA الصادر في سبتمبر الماضي.
ومع استمرار الزخم، وصلت المبيعات إلى 240 مليار جنيه في الأشهر العشرة الأولى، كما أفادت تقارير العربية بيزنس اليوم.
وهذا النمو لم يقتصر على القطاع الخاص، بل امتد إلى الحكومي، حيث يقدر حجم المبيعات عبر الصيدليات الخاصة بـ240 مليار جنيه، بينما يصل الجانب الحكومي إلى 60 مليار جنيه، ليصل الإجمالي إلى 300 مليار جنيه متوقع بنهاية العام، حسب توقعات جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية.
وعلى المستوى الدولي، تتوقع مؤسسة فيتش أن تصل مبيعات الأدوية في مصر إلى 5.7 مليار دولار (حوالي 280 مليار جنيه بسعر صرف حالي) بنهاية 2025، بنمو 12% عن 2024، وبمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 6% حتى 2029.
وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل دليل على تحول السوق من مرحلة التعافي بعد أزمة كورونا وتحديات سعر الصرف إلى نمو مستدام.
وفي سياق إقليمي، تحتل مصر المرتبة السابعة عربيًا والـ66 عالميًا بين 109 دول، مع توقعات بارتفاع المبيعات إلى 479 مليار جنيه بحلول 2034، كما أفاد مركز المعلومات بمجلس الوزراء في تقرير أصدره أمس.
تحريك الأسعار ودعم الإنتاج المحلي
والسر وراء هذه الطفرة يكمن في مزيج من الإصلاحات الحكومية والعوامل الاقتصادية، وأبرزها قرار هيئة الدواء المصرية بتحريك أسعار 1600 دواء بنسبة 25-30% خلال 2024 و2025، لمواجهة ارتفاع تكاليف الواردات بعد تحرير سعر الصرف في مارس 2024.
وهذا التحريك، الذي أكده الدكتور علي الغمراوي رئيس الهيئة، أدى إلى زيادة الإنتاج المحلي بنسبة 91% من الاحتياجات الوطنية، مما قلل الاعتماد على الاستيراد الذي يبلغ فاتورته 3 مليارات دولار سنويًا.

كما ساهمت مبادرات الحكومة في دعم الصناعة، مثل تخصيص 7 مليارات جنيه قروض مدعومة بفائدة 5-7% للشركات الدوائية في سبتمبر 2024، بالإضافة إلى إنشاء إدارة مستقلة لتنظيم القطاع وزيادة ميزانيات المجمعات الصناعية في موازنة 2024/2025.
وهذه الإجراءات أدت إلى إضافة 20 خط إنتاج جديدًا باستثمارات 4 مليارات جنيه في 2025، مما عزز القدرة الإنتاجية وقلل النقص في الأدوية من 1500 نوع إلى 200-300 فقط.
وفي الوقت نفسه، يتوقع أن يرتفع الإنفاق الفردي على الدواء من 44.6 دولار في 2024 إلى 58.8 دولار في 2034، مدفوعًا بزيادة الوعي الصحي والشيخوخة السكانية، حيث يتجاوز عدد كبار السن 60 عامًا 8.4 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 22 مليون بحلول 2050.
التحديات المستمرة
ورغم الإنجازات، يواجه السوق تحديات كبيرة، أبرزها ضعف الجنيه المصري وأزمة قناة السويس، التي أثرت على واردات المواد الخام، مما أدى إلى نقص مؤقت في بعض الأدوية خلال الربع الأول من 2025.
كما يعاني القطاع من ضغوط الإنفاق المنزلي، حيث يمثل الإنفاق على الأدوية 43.7% من إجمالي الرعاية الصحية حتى 2033، مع تراجع في عدد الوحدات المباعة بنسبة 3% في 2024 بسبب تفضيل المستهلكين للأدوية الجنيسة الأرخص.
ومع ذلك، نجحت الحكومة في تسوية 31 مليار جنيه من الديون المستحقة على الشركات، مما خفض الرصيد المتبقي إلى 19 مليار جنيه، ودعم الاستقرار.
الشركات الرائدة في صناعة الأدوية
وسيطر أكبر 10 شركات على 35% من السوق، بمبيعات تصل إلى 65.3 مليار جنيه في أول 11 شهرًا من 2024، وتتصدرها جلاكسو سميث كلاين بـ9.46 مليار جنيه، تليها سانوفي بـ9.2 مليار.
أما ابن سينا فارما، فحافظت على ريادتها في التوزيع بحصة 31.1% في النصف الأول من 2025، محققة نموًا بنسبة 54.8% في الإيرادات.
والشركات المحلية مثل إيبيكو وممفيس شهدت ارتفاعًا في الأرباح بنسبة 223% في النصف الأول من العام المالي 2024-2025، مدعومة بتصدير إلى 60 دولة.
نحو 400 مليار جنيه وتصدير إقليمي
ويتوقع الخبراء، أن تصل المبيعات إلى 400 مليار جنيه بنهاية 2025، بنمو 30% عن 2024، مدفوعًا بتكامل المنظومة الرقمية ودعم الدولة للاستثمار الأجنبي.
وعلى المدى الطويل، سترتفع إلى 7.8 مليار دولار بحلول 2034، مع التركيز على التصدير الذي يصل حاليًا إلى مليار دولار ويهدف إلى 1.3 مليار.
ومشاريع مثل "دوانا" لتتبع الأدوية المخدرة ومنصة LMS التعليمية ستعزز الرقابة والجودة، مما يفتح أبوابًا لشراكات مع الهند والصين، كما حدث في معرض فارماكونكس 2023.
وتعد طفرة مبيعات الدواء في مصر نموذجًا للتوازن بين التنظيم الحكومي والابتكار الخاص، حيث تحول التحديات إلى فرص للنمو.
ومع التركيز على الإنتاج المحلي والتصدير، يمكن لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا للصناعة الدوائية، مما يعزز الأمن الصحي ويحقق مكاسب اقتصادية هائلة.
ومع ذلك، يتطلب الاستمرارية تعزيز التكامل بين الدولة والقطاع الخاص لمواجهة أي صدمات مستقبلية.