البلوكشين يقود المرحلة القادمة من التطور المالي في مصر والعالم
                            يعيش الاقتصاد المصري مرحلة من التحول الرقمي العميق، مدفوعاً بتسارع وتيرة التكنولوجيات المالية الحديثة، وازدياد التوجه نحو دمج الحلول الرقمية في المنظومة المصرفية والاستثمارية، ومع توسع البنوك المصرية في تطبيقات الدفع الإلكتروني، والتحول نحو المعاملات غير النقدية، تتجه الأنظار إلى المرحلة التالية من التطور المالي: عصر البلوكشين والنقود الرقمية.
في هذا السياق، تكتسب تصريحات المؤسسات المالية العالمية أهمية خاصة، لكونها ترسم ملامح المستقبل المالي الذي يوشك أن يصبح واقعاً في الأسواق الناشئة مثل مصر.
المعاملات المالية
قال بيل وينترز، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد، إن المستقبل القريب سيشهد تحولاً جذرياً في شكل المعاملات المالية على مستوى العالم، لتُجرى جميع العمليات عبر تقنية البلوكشين، مؤكداً أن النقود الورقية في طريقها إلى الاختفاء لصالح الأموال الرقمية.
وأضاف أن الأصول المشفرة لن تبقى مجرد أدوات استثمارية بديلة، بل ستصبح جزءاً أساسياً من النظام المالي العالمي، مع تزايد اعتماد البنوك والمؤسسات التقليدية عليها بشكل منظم ومدروس.
ويُعد هذا التصريح مؤشراً واضحاً على التوجه العالمي المتسارع نحو تبني التكنولوجيا المالية المتقدمة، وهو اتجاه يتقاطع مع رؤية الدولة المصرية في دعم التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي، فقد قطعت مصر خلال الأعوام الأخيرة خطوات كبيرة في تطوير البنية التحتية الرقمية للقطاع المصرفي، بدءاً من التوسع في خدمات المدفوعات الإلكترونية والمحافظ الذكية، وصولاً إلى مشاريع العملة الرقمية للبنك المركزي المصري (CBDC) التي تُدرس حالياً كجزء من استراتيجية التحول إلى الاقتصاد غير النقدي.
وأشار التقرير إلى أن بنك ستاندرد تشارترد ضاعف خلال السنوات الماضية من مشاركته في قطاع الأصول الرقمية، من خلال خدمات حفظ الأصول الرقمية، وإنشاء منصات تداول، وتطوير منتجات الأصول المرمزة، التي تمثل واحدة من أكثر التقنيات الواعدة في إعادة هيكلة النظام المالي، ويُقصد بـ"الأصل المُرمز" التمثيل الرقمي لأصل حقيقي مثل الأسهم أو السندات أو السلع، يتم تسجيله وتداوله عبر شبكات البلوكشين، مما يتيح للمستثمرين امتلاك حصص جزئية في الأصول الكبرى، ويزيد من سرعة وكفاءة التداول.
فرص استثمارية
وقد يفتح هذا التوجه أمام الاقتصاد المصري فرصاً استثمارية جديدة، خصوصاً في مجالات التمويل العقاري، وسوق رأس المال، والتجارة الدولية. فإدخال تقنيات البلوكشين إلى العمليات المصرفية يمكن أن يحد من البيروقراطية، ويُسرّع التحويلات بين البنوك، ويُقلل من تكاليف المعاملات، ما ينعكس إيجاباً على كفاءة السوق. كما يمكن ترميز أصول حقيقية داخل مصر – مثل الأراضي، والعقارات، أو حتى شهادات الاستثمار – ما يعزز من السيولة ويوسّع قاعدة المستثمرين المحليين والأجانب.
ويرى محللون أن تصريحات الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد تمثل رؤية مستقبلية متناغمة مع التوجهات المصرية في تطوير البنية التحتية الرقمية للقطاع المالي، فالحكومة والبنك المركزي يواصلان دعم المدفوعات الرقمية ونشر ثقافة التعامل الإلكتروني، إلى جانب تشجيع الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المالية، وهي الخطوات التي تمهد لاعتماد تدريجي لتقنيات البلوكشين.
كما يُتوقع أن تلعب الأصول المرمّزة دوراً محورياً في تنويع أدوات الاستثمار داخل السوق المصري، حيث تسمح هذه التقنية بتداول أصول واقعية في صورة رموز رقمية على شبكات آمنة وشفافة، ما يعزز الثقة بين المستثمرين ويقلل الحاجة إلى وسطاء تقليديين، وهذه الميزة يمكن أن تدعم خطط الحكومة لزيادة كفاءة أسواق المال، وتسهيل دخول المستثمرين الأفراد إلى قطاعات كانت سابقاً مقتصرة على المؤسسات الكبرى.
حلول البلوكشين
وفي ظل التطور السريع في التكنولوجيا المالية، يؤكد خبراء الاقتصاد أن مصر مؤهلة لأن تكون مركزاً إقليمياً في تطبيق حلول البلوكشين، خاصة مع وجود سوق مصرفي متنوع وقاعدة سكانية شابة تمتلك وعياً رقمياً متزايداً، ومن المتوقع أن يؤدي الدمج بين التحول الرقمي الحكومي ومبادرات القطاع الخاص إلى تسريع دخول الاقتصاد المصري في عصر النقود الرقمية.
تختتم الرؤية بأن مستقبل المعاملات المالية في مصر يسير في الاتجاه ذاته الذي يشهده العالم: نحو رقمنة شاملة تعتمد على البلوكشين والأصول المشفرة، وتفتح آفاقاً جديدة للتمويل والاستثمار، ومع استمرار التطور في التشريعات والتنظيمات المصرفية، يمكن للاقتصاد المصري أن يستفيد من هذه الثورة المالية ليصبح أحد النماذج الرائدة في تبني التكنولوجيا المالية بالمنطقة، مستفيداً من ثقة المؤسسات العالمية التي ترى أن العالم المالي الجديد سيكون رقمياً بالكامل.
            
    
