عودة “الكاري تريد”.. كيف تهدد استراتيجية الدولار المرتفع عوائد الأسهم العالمية؟
رغم خسارته أكثر من 7% منذ بداية العام، يعود الدولار الأميركي تدريجيًا إلى واجهة المشهد المالي العالمي كأحد الأصول الأكثر جذبًا للمستثمرين والمؤسسات، بعد فترة من التراجع التي أثارت تساؤلات حول مكانته كعملة احتياط عالمية.
فمع انتعاش استراتيجية الكاري تريد (Carry Trade) وارتفاع الفارق في أسعار الفائدة بين الاقتصادات الكبرى، بدأ المستثمرون حول العالم في إعادة توجيه رؤوس أموالهم نحو الأصول المقومة بالدولار، بحثًا عن عوائد أكثر استقرارًا وأمانًا.
وتشير المؤشرات الحديثة إلى أن هذه الموجة الجديدة من التدفقات تعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي، وتمنح العملة الأميركية فرصة جديدة لاستعادة زخمها ودورها القيادي في الأسواق الدولية.
وبحسب محللون الاقتصاد فإن الاستراتيجية القائمة على الاقتراض بعملات منخفضة الفائدة مثل الين الياباني أو الفرنك السويسري ثم استثمار الأموال في الدولار أصبحت تحقق عوائد أعلى من تلك المنتظرة في أسواق الأسهم الأوروبية أو حتى السندات الصينية، ما عزز من مكانة العملة الأميركية في المحافظ الاستثمارية العالمية رغم خسارتها نحو 7% منذ بداية العام – وهي الأسوأ منذ 8 سنوات.
دولار أقوى من التوقعات
ورغم هذا التراجع، تعافت العملة الأميركية بنحو 3% منذ سبتمبر الماضي، مدعومة بارتفاع الطلب على الدولار كعملة تمويل مفضلة في صفقات الكاري تريد، إذ يجذب استقرار العائدات وقلة التقلبات المستثمرين الباحثين عن الأمان النسبي وسط اضطرابات الأسواق.
وكشف خبراء الاقتصاد أن الدولار سيبقى من بين أعلى العملات من حيث العائد، سواء من ناحية الاتجاه أو المكاسب الفعلية للمستثمرين."
تدفقات ضخمة وتحولات عالمية
وأكدوا أن تجارة الكاري تريد تعتمد على مبدأ بسيط: الاقتراض بسعر فائدة منخفض ثم الاستثمار في أصل يمنح عائدًا أعلى، ومع انخفاض تقلبات العملة الأميركية وتراجع أسعار الفائدة العالمية، أصبحت هذه العمليات أكثر جاذبية، ما أدى إلى تدفقات مالية ضخمة يمكنها التأثير على قيم الأصول في أسواق تمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وكلما ازدادت هذه التدفقات، ارتفعت أسعار الأصول الخطرة مثل الأسهم والعقارات، غير أن المخاطر تكمن في إمكانية تراجعها الحاد إذا زادت التقلبات أو بدأت البنوك المركزية بتغيير سياساتها النقدية فجأة.
أسهم بلا عائد مقابل مخاطر
يتزامن صعود الكاري تريد مع موجة قلق من فقاعة محتملة في أسواق الأسهم العالمية التي استفادت من طفرة الذكاء الاصطناعي خلال العام الجاري. فمؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بأكثر من 30% منذ أبريل، لكن العائد المعدل للمخاطر أصبح سالبًا، أي أن المستثمرين لم يعودوا يحصلون على مكاسب حقيقية بعد خصم عوائد سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات.
أما في الأسواق الآسيوية، فالعوائد أقل جاذبية: فالمستثمر الذي يحتفظ بالأسهم الصينية لشهر واحد يحقق عائدًا سنويًا قدره 0.23% لكل وحدة تقلب، مقارنة بـ 0.54% في استراتيجية الكاري تريد، بينما تبدو الأسهم اليابانية الأقل ربحية في هذا السياق.
المخاطر لا تزال قائمة
ورغم الإقبال المتزايد على تجارة العائد، يحذر خبراء الأسواق من هشاشة هذه المكاسب. فهبوط مفاجئ في أسعار الفائدة قصيرة الأجل أو تغير في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يفقد الدولار ميزته بسرعة، خاصة إذا تسارعت وتيرة خفض الفائدة العام المقبل.
وتابع الخبراء: "طالما أن الفيدرالي يتوخى الحذر في تخفيف السياسة النقدية، فإن الدولار سيبقى جذابًا كأصل للعائد، لكن أي تسارع في الخفض قد يقلب المعادلة."
نظرة مستقبلية: هل تستمر الكاري تريد؟
مع بقاء التضخم الأميركي عند 3% في سبتمبر، أي أعلى من هدف الفيدرالي البالغ 2%، يتوقع بعض الاستراتيجيين استمرار بيئة “الفائدة المرتفعة نسبيًا” حتى منتصف 2026، ما يدعم استمرار الكاري تريد كخيار مربح للمستثمرين الدوليين.
يري الخبراء أن الدولار سيظل مستفيدًا من فروقات العوائد الواسعة بين العملات الكبرى طالما بقي الاقتصاد الأميركي متماسكًا، فاستراتيجية الكاري تريد تعيد رسم خريطة الأسواق، فبينما تتراجع جاذبية الأسهم المشبعة بالتقييمات المرتفعة، يتحول المستثمرون إلى الدولار كأداة استثمارية دفاعية توفر عائداً مستقراً في عالم يشهد تباطؤاً في النمو وتذبذباً في السياسات النقدية.
ومع اقتراب عام 2026، تعد الكاري تريد مجددًا الورقة الأقوى في يد الدولار الأميركي، لكنها في الوقت نفسه تحمل قنبلة زمنية مالية قد تنفجر مع أي تحول مفاجئ في قرارات الاحتياطي الفيدرالي.

