العجلة بتدور.. 4 شحنات غاز مصرية تتجه إلى أسواق أوروبا | تفاصيل
في خطوة تعكس عودة مصر إلى دائرة التصدير الفعال للغاز الطبيعي المسال، تم تجهيز 4 شحنات جديدة متجهة إلى أسواق أوروبية خلال الشهر الجاري.
وهذه الخطوة، التي تأتي وسط تراجع الاستهلاك المحلي، لا تقتصر على تعزيز الإيرادات الدولارية فحسب، بل تمثل أداة استراتيجية لسداد المستحقات المتراكمة للشركاء الأجانب، مما يفتح الباب أمام استثمارات جديدة في حقول الغاز.
وهذه الشحنات تحمل إجمالياً نحو 550 ألف متر مكعب، وستصدر من مصنع إسالة الغاز في إدكو، مع بدء الشحنة الأولى خلال الأسبوع الأول من ديسمبر.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض تفاصيل هذه الشحنات الكاملة، وتأثيرها على الاقتصاد المصري.
تفاصيل الـ4 شحنات الجديدة إلى أوروبا
وتأتي هذه الشحنات في وقت يشهد فيه السوق الأوروبي طلباً متزايداً على الغاز المسال، خاصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية في شرق المتوسط وأوكرانيا.
والشحنة الأولى، التي من المتوقع مغادرتها في غضون أيام، ستكون موجهة لصالح شركاء أجانب رئيسيين مثل شل وتوتال إنرجي، الذين يمتلكون حصصاً في حقول الغاز المصرية.
أما الشحنات اللاحقة، فستتبع تباعاً، مع التركيز على وجهات أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا، حيث بلغت نسبة الصادرات المصرية إلى أوروبا 80% من إجمالي الشحنات في 2025.
ويقدر حجم كل شحنة بين 140 و165 ألف متر مكعب، بناءً على الأسعار العالمية الحالية التي تتراوح بين 12 و15 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU).
وهذا يعني إيرادات محتملة تصل إلى 70-80 مليون دولار من هذه الدفعة وحدها، مما يعزز من سيولة مصر الخارجية في ظل الضغوط الاقتصادية.
وفي سياق متصل، فإن هذه التصديرات جزء من استراتيجية عودة الصادرات المصرية إلى العمل مرة أخرى، حيث يتم استغلال فائض الإنتاج الناتج عن انخفاض الاستهلاك المحلي بنسبة 600-700 مليون قدم مكعب يومياً خلال الربع الأخير من 2025.
سداد مستحقات الشركات الأجنبية
ولا تقتصر أهمية هذه الشحنات على الإيرادات المباشرة، بل تمتد إلى تعزيز الثقة لدى الشركاء الأجانب. العائدات ستوجه فوراً لسداد جزء من المستحقات المتراكمة، التي تصل إلى 1.7-2 مليار دولار، ناتجة عن شراء الحكومة المصرية لحصص الغاز من مناطق الامتياز.
وتستهدف وزارة البترول سداد 750 مليون دولار بحلول نهاية الربع الأول من 2026، مع إغلاق الملف كاملاً خلال العام المقبل.
وهذا السداد يأتي في وقت تراجعت فيه مستحقات شركات مثل إيني الإيطالية من 1.36 مليار دولار إلى 992 مليون دولار حتى منتصف 2025، بفضل حوافز حكومية لزيادة الإنتاج.
ومن المتوقع أن يحفز هذا الإجراء الشركاء على تنفيذ مشاريع تنمية في حقول المياه العميقة، مثل حقل ظهر، مما يدعم هدف مصر في الوصول إلى إنتاج 6.6 مليار قدم مكعب يومياً بحلول نهاية 2025.

إنتاج واستهلاك الغاز في مصر
ويبلغ الإنتاج المحلي حالياً 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، بينما انخفض الاستهلاك إلى 6.2-6.3 مليار قدم مكعب يومياً في ديسمبر، مما يخلق فائضاً يُستغل في التصدير.
وهذا التراجع يعود إلى عوامل موسمية، مثل انخفاض درجات الحرارة، وجهود الحكومة في تعزيز الكفاءة الطاقوية.
ومع ذلك، تستمر إيجاس في تصدير جزئي حتى أبريل 2026، قبل التركيز على بناء احتياطي استراتيجي للسوق المحلية قبل صيف 2026.
وفي المقابل، ارتفعت واردات مصر بنسبة 51% في أول تسعة أشهر من 2025، مما جعلها أكبر مستورد للغاز المسال في الشرق الأوسط، متجاوزة الكويت.
وفي صفقة بارزة، وقعت مصر اتفاقاً مع هارتري بارتنرز الأمريكية لاستيراد 80 شحنة بقيمة 4 مليارات دولار، مع تسهيلات سداد تمتد لعام كامل.
وهذا يعكس استراتيجية مزدوجة: الاستيراد لتغطية النقص، والتصدير للربحية.
صادرات الغاز المصري إلى أوروبا في 2025
وشهد عام 2025 عودة قوية لصادرات مصر، مع تسجيل 5 شحنات حتى نوفمبر، إجمالي 841 ألف متر مكعب (313 ألف طن)، بإيرادات تتجاوز 270 مليون دولار.
ومنها: شحنة إلى إسبانيا في سبتمبر (200 ألف م³ لتوتال إنرجي)، وأخرى إلى إيطاليا في أكتوبر (155 ألف م³ لشل)، وثالثة إلى تركيا (200 ألف م³)، ورابعة إلى اليونان في نوفمبر (150 ألف م³).
وهذه الشحنات، المصدرة من إدكو، عززت مكانة مصر كمركز إقليمي، خاصة مع تراجع الإنتاج الروسي.
كما وقعت مصر 4 اتفاقيات تنقيب في أغسطس مع شل وغيرها، باستثمارات تصل إلى مليارات الدولارات، لاستكشاف احتياطيات جديدة في البحر المتوسط.
دور مصر في الطاقة الإقليمية
وتواجه أوروبا ضغوطاً من نقص الإمدادات الروسي، مما يجعل الغاز المصري خياراً استراتيجياً، ومع ذلك، يواجه التصدير المصري تحديات مثل تأجيل بعض الاستيرادات المحلية بسبب ضعف الطلب، كما حدث في أكتوبر.
ولكن الفرص كبيرة، مع خطط لزيادة الصادرات بشحنتين شهرياً حتى مارس 2026، أي 10 شحنات إضافية.
أما على الصعيد الجيوسياسي، فإن تدخلات أمريكية وأوروبية دفعَت إسرائيل لزيادة توريد الغاز إلى مصر في نوفمبر، مما يعزز الاستقرار الإقليمي.
طموحات الاكتفاء الذاتي
وتقدر احتياجات مصر من الغاز المسال في 2026 بنحو 125 شحنة، مع حمولة كل شحنة 140-165 ألف م³، وسعر يصل إلى 50-55 مليون دولار.
ومع ذلك، تهدف الحكومة إلى الاكتفاء الذاتي عبر حفر 14 بئراً استكشافية في 2026، واكتشاف احتياطيات تصل إلى 12 تريليون قدم مكعب، مما يرفع الإنتاج بنسبة 58% بحلول 2030.
وتمثل هذه الـ4 شحنات نقطة تحول في استراتيجية مصر للطاقة، حيث يتم العمل على محورين بين التصدير والاستيراد لتحقيق التوازن الاقتصادي والإقليمي.
ومع استمرار الجهود، قد تعود مصر إلى كونها مصدراً صافياً للغاز بحلول 2027، مما يعزز دورها في أسواق أوروبا المتعطشة للطاقة النظيفة.