خفض الفائدة.. يعيد رسم خريطة الدين العام ويمنح الموازنة متنفسًا ماليًا
لم يعد خفض أسعار الفائدة مجرد قرار نقدي تقني، بل تحوّل إلى أداة رئيسية لإعادة ضبط مسار الاقتصاد المصري في مرحلة ما بعد التضخم المرتفع، فمع دخول عام 2025 مراحله الأخيرة، جاء توجه البنك المركزي المصري نحو السياسة التيسيرية ليعكس ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات، ويفتح في الوقت نفسه الباب أمام إعادة هيكلة تكلفة الدين العام وتحفيز الاستثمار والنشاط الإنتاجي.
وبين تأثيرات مباشرة على الموازنة العامة، وانعكاسات غير مباشرة على الادخار والتمويل، تتشكل ملامح مرحلة اقتصادية جديدة تمتد آثارها إلى عامي 2026 و2027.
ويُعد خفض أسعار الفائدة أحد العوامل المؤثرة بشكل مباشر على الموازنة العامة للدولة، خاصة في ظل ارتفاع أعباء خدمة الدين خلال السنوات الماضية.
تقليص عبء الموازنة
وفي هذا السياق، قال محمد عبدالعال، الخبير المصرفي، إن كل خفض في أسعار الفائدة بواقع 1% ينعكس على تقليص عبء الموازنة بنحو 75 إلى 80 مليار جنيه سنويًا، وهو ما يمنح الحكومة مساحة مالية أكبر لإعادة توجيه الموارد نحو أولويات أكثر إلحاحًا، مثل برامج الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات العامة.
وأوضح عبدالعال أن هذا الوفر المالي لا يقتصر تأثيره على تقليل تكلفة الدين فقط، بل يسهم أيضًا في تحسين مؤشرات الاستدامة المالية، خاصة مع تراجع المخاطر المرتبطة بالديون السيادية، واستمرار جاذبية أدوات الدين المحلي أمام المستثمرين الأجانب، مدعومة بارتفاع العائد الحقيقي على الجنيه.
تراجع التضخم
وخلال ديسمبر 2025، أقر البنك المركزي خفضًا جديدًا لأسعار الفائدة في ثامن اجتماعات لجنة السياسة النقدية، ليصل سعر الفائدة إلى 20% للإيداع و21% للإقراض، في خامس خفض خلال عام واحد.
وجاء القرار مدعومًا بتراجع معدل التضخم السنوي إلى 12.3% في نوفمبر مقابل 12.5% في أكتوبر، ما عزز ثقة صناع السياسة النقدية في الاتجاه التيسيري.
وعلى مستوى الاقتصاد الحقيقي، يسهم خفض الفائدة في تقليل تكلفة الاقتراض، بما يسهل حصول الأفراد على التمويل ويمنح الشركات فرصة أكبر للتوسع وزيادة الاستثمارات، الأمر الذي قد ينعكس إيجابًا على معدلات التشغيل وسوق العمل.
تحقيق انضباط مالي
ويرى محللون أن هذا التوجه قد يشكل دفعة قوية للنشاط الاقتصادي خلال عامي 2026 و2027، حال استمرار السيطرة على التضخم وتحقيق انضباط مالي.
وفي المقابل، يفرض خفض الفائدة تحديات على المدخرين، مع تراجع عوائد الودائع والشهادات الادخارية، وهو ما قد يدفع شريحة من المواطنين للبحث عن بدائل استثمارية أخرى، سواء في سوق المال أو أدوات استثمارية مختلفة. ويؤكد خبراء أن المرحلة الحالية تتطلب وعيًا ماليًا أكبر في اتخاذ قرارات الادخار والاستثمار، في ظل تغير معادلة العائد والمخاطرة.
