عراف أوماها.. رحلة الملياردير وارن بافيت من الصفر إلى قمة الاستثمار العالمي

يعد الملياردير وارن بافيت، المعروف بلقب "عراف أوماها"، أحد أبرز أساطير الاستثمار في العالم، حيث شق طريقه من بدايات متواضعة في مدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية إلى قمة الثروة والنجاح.
وبثروة تقدر بأكثر من 128.4 مليار دولار وفقًا لقائمة فوربس لعام 2024، يعتبر بافيت نموذجًا للذكاء المالي والصبر الاستراتيجي.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض رحلته الاستثنائية، استراتيجياته الاستثمارية، ودوره كأحد أكبر المتبرعين في العالم.
شغف مبكر بالأرقام
وولد وارن بافيت في 30 أغسطس 1930 في أوماها، وأظهر منذ طفولته موهبة استثنائية في الأرقام، حيث كان يلقب بـ"المعجزة الرياضية" لقدرته على إجراء العمليات الحسابية المعقدة ذهنيًا.
وفي سن الحادية عشرة، اشترى أول أسهمه في شركة "سيتيز سيرفيس" بسعر 38 دولارًا للسهم، دون علم والده، وهو وسيط أسهم، مما أشعل شرارة شغفه بالاستثمار، وبحلول سن الثالثة عشرة، كان قد قدم أول إقرار ضريبي له، مظهرًا إدراكًا مبكرًا للمسؤولية المالية.
وخلال مراهقته، عمل وارن بافيت في توزيع الصحف وجمع دخلًا تجاوز أحيانًا رواتب معلميه، وبعد رفضه من جامعة هارفارد، التحق بجامعة كولومبيا، حيث تتلمذ على يد بنجامين جراهام، أبو "استثمار القيمة"، الذي علمه شراء الأسهم بأقل من قيمتها الحقيقية والاحتفاظ بها لفترات طويلة، وهذه الفلسفة شكلت أساس نجاحه لاحقًا.

بيركشاير هاثاواي الإمبراطورية الاستثمارية
وفي عام 1956، أسس بافيت شركة "Buffett Partnership Ltd" في أوماها، وبدأ في تطبيق مبادئ جراهام بشراء أسهم شركات مقدرة بأقل من قيمتها، وبحلول أوائل الستينيات، أصبح مليونيرًا بفضل شراكاته الناجحة.
وفي عام 1962، استثمر في شركة نسيج متعثرة تدعى "بيركشاير هاثاواي"، لكنه وصف هذا القرار لاحقًا بأنه "أسوأ استثمار له" بسبب محاولاته الفاشلة لإنعاشها كشركة نسيج.
ومع ذلك حول بافيت بيركشاير هاثاواي إلى شركة قابضة استثمارية، مستخدمًا إيراداتها للاستحواذ على حصص في شركات قوية مثل "كوكاكولا"، "أمريكان إكسبريس"، "جيليت"، و"جيكو".
وبحلول عام 2022، حققت بيركشاير أرباحًا تشغيلية بلغت 30.8 مليار دولار، وتمتلك اليوم أكثر من 60 شركة متنوعة، مما يعكس رؤية بافيت طويلة الأمد.
فلسفة الاستثمار ما بين الصبر والقيمة
وتتمحور استراتيجية وارن بافيت حول "استثمار القيمة"، حيث يركز على شراء أسهم الشركات ذات الأصول القوية والمنتجات المطلوبة بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية.
كما يؤمن بـ"دائرة الكفاءة"، وهي الاستثمار في القطاعات التي يفهمها جيدًا، مثل التأمين والسلع الاستهلاكية.
ونصح المستثمرين في لقاءات سابقة بالصبر، قائلاً: "عندما يخاف الآخرون، اشتر، وعندما يتشائم الآخرون، اشتر"، كما حذر من الديون، مشددًا على أن "الديون تزيد المخاطر".

ويعرف بافيت أيضًا بتنويع محفظته الاستثمارية، لكنه يحذر من التنويع العشوائي، مشيرًا إلى أن "وضع كل البيض في سلة واحدة قد يكون كارثيًا".
ونصح بالاستثمار في مؤشرات الأسهم مثل S&P 500 لتحقيق عوائد مستقرة بجهد أقل.
دروس من عراف أوماها
وعلى الرغم من نجاحاته، اعترف وارن بافيت بارتكاب أخطاء، أبرزها استثماره الأولي في بيركشاير هاثاواي كشركة نسيج، مما كلفه، حسب تقديراته، حوالي 200 مليار دولار من الفرص الضائعة.
كما أخطأ أحيانًا في تقييم ديناميكيات الشركات أو كفاءة مديريها، ومع ذلك، يؤكد أن "تأخير تصحيح الأخطاء هو الخطيئة الأساسية"، مشددًا على أهمية التعلم من الأخطاء واتخاذ قرارات سريعة لتصحيح المسار.
التبرعات الخيرية
ويعد بافيت من أكبر المتبرعين في العالم، حيث تبرع منذ عام 2006 بحوالي 57 مليار دولار، بما في ذلك 5.3 مليار دولار في 2024 لمؤسسة بيل وميليندا جيتس وجمعيات خيرية عائلية.
كما يخطط للتبرع بأكثر من 99% من ثروته، معظمها لدعم الصحة الإنجابية، مكافحة الجوع، وتعزيز السلامة العامة.
الإرث والنصائح للأجيال
ويلهم بافيت المستثمرين الشباب بنصيحته: "اختر شركاء أعمال يتمتعون بالذكاء والطاقة والنزاهة".
كما يشدد على أهمية القراءة والتعلم المستمر، معتبرًا أن "المعرفة المتنوعة هي استثمار لا يخسر".
وقصته تظهر أن النجاح لا يتطلب عبقرية خارقة، بل انضباطًا، وصبرًا، وشغفًا بالتعلم.
ووارن بافيت ليس مجرد ملياردير، بل رمز للنجاح المستدام، ومن خلال استراتيجياته البسيطة لكن المنضبطة، حول شغفه المبكر بالأرقام إلى إمبراطورية استثمارية.
ورحلته من صبي في أوماها إلى "عراف الثروة" تلهم الملايين، مؤكدة أن النجاح يبنى بالصبر، والحكمة، والتفكير طويل الأمد.