ديون بـ 450 مليون دولار.. اتهامات تطارد داليا خورشيد بالتدخل لتسوية مديونية شركة متعثرة.. ماذا حدث؟

داليا خورشيد
داليا خورشيد

تُعد داليا خورشيد واحدة من أبرز الشخصيات النسائية التي لمع اسمها في المشهد الاقتصادي المصري خلال العقد الأخير، فقد صعدت بسرعة لافتة في المناصب الاقتصادية العليا، بداية من رئاستها للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ثم توليها حقيبة وزارة الاستثمار، قبل أن تخرج من الحكومة وسط حالة من الجدل، وتدخل لاحقًا في دائرة الضوء من جديد بعد زواجها من طارق عامر، محافظ البنك المركزي السابق.

ورغم استمرار حضورها في صدارة المشهد المالي والاستثماري، إلا أن اسمها ظل –منذ مغادرتها الوزارة– مرتبطًا بسلسلة من التساؤلات والاتهامات، لا سيّما بعد دخولها في شراكات مالية مثيرة للجدل، وارتباطها بمراكز نفوذ حساسة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان واحدة من أكثر قضايا تضارب المصالح شبهة في عام 2019، والتي شغلت آنذاك الرأي العام، بعدما كشف عضو بمجلس النواب تفاصيل ضغوط على بنوك حكومية وتعطيل لإجراءات قانونية لصالح شركة متعثرة، وُجِّهت فيها أصابع الاتهام مباشرة نحو خورشيد.

وتأتي تلك الوقائع في ظل توليها حاليًا منصب الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة بلتون القابضة منذ عام 2022، حيث تقود توسعات كبرى في استثمارات الشركة، من خلال منصات جديدة أبرزها "نبت" (NEPIT) للاستثمار الزراعي، و"بلتون لرأس المال المخاطر"، ما يضعها مجددًا تحت مجهر الجدل، بين من يرونها سيدة الإنجازات، ومن يعتبرونها عنوانًا لعلاقة متشابكة بين السلطة والمال.

في هذا السياق، تعود إلى الواجهة مجددًا تفاصيل القضية التي تفجّرت قبل سنوات، حين كانت خورشيد لا تزال في قلب المشهد المالي، والمتهمة فيها بالتدخل لتعطيل إجراءات قانونية لصالح شركة متعثرة ديونها تتجاوز 450 مليون دولار.

اتهامات فساد مالي لاحق داليا خورشيد في الماضي 

في مشهد يعكس تداخلًا معقّدًا بين السلطة والمال، فجر النائب السابق محمد فؤاد قضية مثيرة، في عام 2019، داخل أروقة الدولة، موجها خطابا رسميًا إلى اللواء شريف سيف الدين، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، آن ذاك، يكشف فيه عن ما وصفه بـ"واحدة من أخطر وقائع تعارض المصالح وإهدار المال العام"، متهما وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، زوجة طارق عامر، محافظ البنك المركزي - آن ذاك ـ بالتدخل لصالح شركة متعثرة ديونها تقدر بمئات الملايين من الدولارات.

بحسب ما ورد في مذكرة النائب، فإن ضغوطًا "غير مبررة" مورست لتأجيل تنفيذ إجراءات الحجز الإداري على الشركة المصرية للهيدروكاربون، وهي شركة مدينة بمبلغ 450 مليون دولار، تراكمت على مدار ثلاث سنوات من التوقف عن سداد أقساط القرض، ما دفع البنوك إلى الشروع في إجراءات قانونية لاسترداد أموالها.

جذور الأزمة

يعود أصل الأزمة إلى عام 2010، حين حصلت الشركة المصرية للهيدروكاربون على قرض بقيمة 285 مليون دولار من تحالف يضم 11 بنكًا، ورغم ضخ القرض، إلا أن المشروع تعرقل بسبب تأخر المقاول، وصعوبة الحصول على التراخيص الأمنية، وفشل في تسويق المنتج.

ومع استمرار الأزمات، وصلت الشركة إلى مرحلة تعثّر مالي شديد، خصوصًا في الفترة من 2016 حتى 2018، حيث لم تُسدَّد خلالها أية أقساط، وفي أواخر 2018، بدأت مفاوضات انتهت باتفاق على جدولة الديون، ووقّع الطرفان اتفاقًا في أكتوبر من نفس العام، تم بموجبه تسوية المديونية البالغة حينها 385 مليون دولار.

القسط الأول يفجّر الخلاف.. تدخل “مريب” من داليا خورشيد 

بحسب مذكرة النائب محمد فؤاد، لم تبدأ المشاكل الحقيقية إلا في مارس 2019، عندما حان موعد سداد أول قسط من اتفاق الجدولة بقيمة 45 مليون دولار، لم تتمكن الشركة من سداد سوى 20 مليونًا فقط، ما تسبب في عجز فوري قدره 25 مليون دولار، وأجبر البنوك على البدء فورًا في اتخاذ إجراءات الحجز الإداري.

لكن، في اللحظة الحرجة، حدث ما وصفه النائب بأنه "تدخّل مريب"، حيث جرى اتصال بين رئيس مجلس إدارة الشركة، نجل مستشار سياسي أسبق للرئيس الراحل حسني مبارك– ووزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، عبر وسيط إماراتي، وقدمت الوزيرة السابقة نفسها باعتبارها منقذة الشركة، عارضة التدخل المباشر مع البنوك لإيقاف إجراءات الحجز.

وتقول مذكرة النائب إن خورشيد التقت بالفعل بمسؤولي الشركة، ثم بدأت بإرسال خطابات رسمية إلى البنوك في 31 مارس 2019، وهو نفس يوم بدء إجراءات الحجز، وطلبت تأجيل التنفيذ لمدة 3 أشهر لحين التوصل إلى تسوية، وبالفعل، تم إرجاء الإجراءات بصورة غير رسمية، لكن أحد البنوك نفى رسميًا وجود أي اتفاق بتعليق الحجز، مؤكدًا استمرار العملية رغم بطء التنفيذ.

اتفاق مالي مثير للجدل: مبالغ طائلة مقابل "استشارات"

ما يثير الشبهات، وفقًا لمذكرة النائب، هو توقيع اتفاق بين الشركة المصرية للهيدروكاربون وشركة "مسار للاستشارات المالية"، المملوكة حينها لداليا خورشيد، بتاريخ 4 أبريل 2019، حصلت بموجبه خورشيد على 275 ألف دولار دفعة واحدة، مقابل خدمات استشارية، إلى جانب 50 ألف دولار شهريًا كأجر استشاري، ونسبة 3% من قيمة القرض الجديد المزمع تدبيره، وهو ما أثار حفيظة النائب، حيث أكد في مذكرته أن هذه النسبة تعد "غير منطقية ومبالغًا فيها"، إذ أن العمولات المعتادة لا تتجاوز عادة 0.5% أو أقل.

وفي بند بالغ الخطورة، سلّط النائب الضوء على ما اعتبره "شبكة تضارب مصالح" داخل البنوك، إذ كشف أن هناك أكثر من 10 مسؤولين يشغلون مناصب في مجالس إدارات بنوك مشاركة في القرض، وفي الوقت ذاته يعملون ضمن شركة "مسار" التي تمثل خورشيد، وهو ما يمثل خرقا واضحا لمبادئ الحوكمة المالية.

وأكد فؤاد أن هؤلاء المسؤولين عملوا مع خورشيد أثناء توليها وزارة الاستثمار، ملمحًا إلى احتمال أن تكون هي من رشّحتهم لهذه المناصب.

نفوذ السلطة.. رسائل رسمية تحمل أسماء كبار المسؤولين

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ ذكر النائب في مذكرته أن شركة "مسار" أرسلت مخاطبات تدريبية إلى عدة بنوك، عرضت فيها خدماتها نظير مبالغ ضخمة، مشيرة ضمن الخطاب إلى علاقاتها المباشرة مع رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، ووزير التخطيط، وهو ما وصفه فؤاد بأنه "تلويح فاضح بنفوذ السلطة واستغلال فادح لظاهرة الباب الدوار".

وتساءل النائب ساخرًا: "ما الذي أنجزته الوزيرة السابقة خلال 24 ساعة وفشلت الشركة في تحقيقه طيلة 3 سنوات؟ وهل كانت البنوك ستذعن بنفس الطريقة لو كان وسيط آخر غير الوزيرة السابقة؟".

تفاصيل المديونية وتحالف البنوك

وتعود ملكية الشركة المصرية للهيدروكاربون لرجل الأعمال ب.ا، الذي يمتلك مصنعًا بالعين السخنة لإنتاج نترات الأمونيا، حصل على قرض بقيمة 385 مليون دولار وقد تم تخصيص القرض لتوفير السيولة اللازمة لإقامة مجمع بتروكيميائي ضخم باستثمارات قدرها 3 مليارات دولار.

داليا خورشيد تستخدم نفوذ السلطة لمنع نشر القضية

وأشارت مصادر حينها إلى أن الوزير السابقة مارست ضغوطًا لمنع نشر تحقيق استقصائي حول الواقعة بإحدى الجرائد المصرية، حيث تم وقف طباعة العدد الصادر يوم 22 مايو 2019، وأُعيد إلى الصحيفة لحذف التقرير الذي تناول دور الوزيرة السابقة، وهو ما أكدته مصادر داخل الجريدة.

قضية 2019.. أكثر الملفات غموضًا في سجل المال

وبين تضارب المصالح، واستغلال النفوذ، وتشابك العلاقات، تظل قضية 2019 واحدة من أكثر الملفات غموضًا في سجل المال العام، خصوصًا مع غياب أي إعلان رسمي عن نتائج التحقيقات أو محاسبة واضحة للأطراف المتورطة.

ويبقى السؤال: هل تم بالفعل طيّ هذا الملف تحت ضغط النفوذ والعلاقات؟ وهل كانت العلاقة بين داليا خورشيد ومواقع القرار سببًا في كبح إجراءات العدالة؟ ثم، الأهم، هل سيُفتح هذا الملف مجددًا مع تصاعد الأصوات المطالِبة بالشفافية والمحاسبة؟.. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

تم نسخ الرابط