قوة القطن المصري الناعمة.. مصر تعود لاعتلاء عرش صناعة الغزل والنسيج في العالم

في قلب الأراضي المصرية، حيث نسجت خيوط القطن قصصًا تاريخية تمتد لآلاف السنين، تعود مصر اليوم لتستعيد مكانتها كأيقونة عالمية في صناعة الغزل والنسيج، ومن أيام الفراعنة، حين كان القطن المصري رمزًا للرفاهية والجودة، إلى العصر الحديث الذي يشهد نهضة صناعية طموحة، تثبت مصر أنها ليست مجرد أرض التاريخ، بل قوة اقتصادية تتطلع إلى قيادة الأسواق العالمية.
وبفضل مشروع قومي طموح واستثمارات أجنبية ضخمة، تستعد مصر لتكون مركزًا عالميًا لصناعة النسيج، مستندة إلى تراثها العريق وإمكاناتها الحديثة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض رحلة عودة مصر إلى عرش صناعة الغزل والنسيج.
المشروع القومي لتطوير الغزل والنسيج
وفي إطار رؤية مصر 2030، أطلقت الحكومة المصرية مشروعًا قوميًا لتطوير صناعة الغزل والنسيج، بهدف إعادة إحياء هذا القطاع الحيوي.
والمشروع الذي يعد واحدًا من أكبر المشروعات الصناعية في تاريخ مصر الحديث، يهدف إلى تحديث البنية التحتية للمصانع، ورفع كفاءة الإنتاج، وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
ووفقًا لتصريحات وزير قطاع الأعمال العام، محمد شيمي، فإن المشروع يسير بخطى ثابتة، حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى بنسبة 100%، بينما بلغت معدلات تنفيذ المرحلة الثانية 76%، مع توقعات باستكمالها بحلول أكتوبر 2025، ومن المقرر الانتهاء من المرحلة الثالثة بحلول أبريل 2026.
وهذا المشروع لا يقتصر على تحديث المصانع فحسب، بل يشمل إدخال تكنولوجيا متطورة، وتدريب العمالة، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية، مما يضمن استدامة الصناعة وتلبية معايير الجودة العالمية.
وشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، إحدى أعمدة هذا المشروع، نجحت في اختراق أسواق عالمية جديدة، مثل الولايات المتحدة، وسويسرا، وتركيا، وباكستان، والهند، واليونان، والسعودية، مما يعكس الثقة الدولية في جودة المنتج المصري.
استثمارات أجنبية تدعم النهضة
ولم تكتف مصر بتطوير مصانعها الحكومية، بل فتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية لتعزيز مكانتها في السوق العالمية.
والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تعد مركزًا صناعيًا استراتيجيًا، جذبت استثمارات صينية ضخمة، مثل شركة "بريدج تكستايل" التي وضعت حجر الأساس لمصنعها الأول في منطقة "تيدا – مصر" باستثمارات تتجاوز 25 مليون دولار.
وهذا المصنع يضم 18 خطًا للغزل وأكثر من 100 خط لإنتاج الأقمشة، مما يعزز القدرة الإنتاجية ويوفر فرص عمل جديدة.

كما وقعت المنطقة الاقتصادية عقودًا جديدة لإنشاء مصانع للملابس الجاهزة والمنسوجات في منطقة القنطرة غرب، التي توصف بـ"قلعة الغزل والنسيج الجديدة"، مما يعكس جاذبية مصر كوجهة استثمارية بفضل الحوافز الضريبية والتسهيلات اللوجستية التي تقدمها.
القطن المصري الأفضل عالميًا
ويبقى القطن المصري، المعروف بجودته العالية وأليافه الطويلة، العمود الفقري لصناعة النسيج في مصر، حيث يتميز هذا القطن بملمسه الناعم وقوته، مما يجعله الخيار المفضل للعلامات التجارية العالمية الفاخرة.
واليوم تسعى مصر إلى تعزيز تصدير منتجاتها النهائية بدلاً من تصدير القطن الخام، مما يزيد من القيمة المضافة ويعزز الاقتصاد الوطني.
فرص عالمية
وأتاحت الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، التي وصلت إلى 54% على واردات الملابس من دول آسيوية، فرصة ذهبية للنسيج المصري للمنافسة في السوق الأمريكية، التي تعد واحدة من أكبر أسواق الملابس في العالم.
وهذه الرسوم جعلت المنتجات المصرية أكثر جاذبية من حيث السعر والجودة، مما ساهم في فتح أسواق جديدة وتعزيز الصادرات.
ومع ذلك، تواجه الصناعة تحديات، مثل الحاجة إلى استمرار تحديث التكنولوجيا، وضمان استدامة سلاسل التوريد، ومواجهة المنافسة العالمية الشرسة، ولكن بفضل التخطيط الاستراتيجي والاستثمارات المستمرة، تبدو مصر في طريقها للتغلب على هذه التحديات.
وعودة مصر إلى صدارة صناعة الغزل والنسيج ليست مجرد حلم، بل واقع يتشكل بقوة على أرض الواقع، وبفضل رؤية حكومية طموحة، استثمارات أجنبية واعدة، وتراث صناعي غني، تستعد مصر لاستعادة عرشها كمركز عالمي للنسيج.
وهذه النهضة ليست فقط انتصارًا اقتصاديًا، بل تأكيدًا على قدرة مصر على مزج تراثها العريق بطموحاتها المستقبلية، لتكتب فصلًا جديدًا في قصة نجاحها العالمي.