هل يزاحم تمويل الحكومة القطاع الخاص في سوق الائتمان المصري؟

كشفت بيانات البنك المركزي أن القطاع المصرفي المصري شهد خلال العام المالي المنتهي في يونيو 2025 تحولًا ملحوظًا في توزيع الائتمان المحلي، حيث ارتفعت حصة الحكومة إلى 56.4% من إجمالي الائتمان الممنوح، لتسجل 8.4 تريليون جنيه، مقابل 5.9 تريليون جنيه في الفترة المقابلة من 2024، وفق بيانات البنك المركزي المصري، حيث بلغت الاستثمارات في أدوات الدين الحكومية، من أذون وسندات خزانة 8.2 تريليون جنيه، بما يعادل نحو 97% من إجمالي تمويل الحكومة، إلى جانب نمو التسهيلات الائتمانية المباشرة بنسبة 25% لتصل إلى 2 تريليون جنيه.
إجمالي الائتمان المحلي
وأكد البنك المركزي أن إجمالي الائتمان المحلي ارتفع بنسبة 35.3% على أساس سنوي، مسجلًا 14.87 تريليون جنيه، بزيادة قدرها 3.88 تريليون جنيه عن مستواه في يونيو 2024 البالغ 10.99 تريليون جنيه، كما أظهرت الأرقام تراجعًا طفيفًا في الودائع الحكومية إلى 1.7 تريليون جنيه، كما ارتفع حجم الائتمان الموجه إلى 3 تريليونات جنيه، بزيادة سنوية قدرها 500 مليار جنيه، إلا أن حصته من الإجمالي تراجعت إلى 20% مقارنة بـ22.7% في العام السابق، ما يعكس تسارع معدل نمو تمويل الحكومة مقارنة بالقطاع الخاص.
تحليل الخبراء وتوجهات مستقبلية
يرى خبراء مصرفيون أن هذه المؤشرات تعكس تحولًا تدريجيًا في أولويات البنوك، حيث باتت تميل إلى الاستثمار في أدوات الدين الحكومية ذات العائد المضمون والمخاطر المنخفضة، على حساب القروض الموجهة للأنشطة الإنتاجية التي تتسم بارتفاع درجة المخاطرة وتستغرق فترات أطول لاسترداد رأس المال، مشيرة إلى أن هذا التوجه، رغم مساهمته في استقرار التمويل الحكومي وتوفير سيولة آمنة للبنوك، إلا أنه قد يؤدي إلى تباطؤ نمو القطاعات الإنتاجية إذا لم تتم معالجته بسياسات متوازنة.
ويحذر اقتصاديون من أن استمرار الاعتماد المكثف على الاقتراض المحلي لتمويل العجز والنفقات قد يخلق بيئة تزاحم ائتماني تحد من قدرة الشركات على الحصول على التمويل اللازم للتوسع والاستثمار، كما يلفتون إلى أن ضعف معدلات الادخار المحلي – الناتج عن التضخم المرتفع وتراجع القوة الشرائية – يزيد من صعوبة توفير مصادر تمويل بديلة.
ويؤكد محللون أن الحل يكمن في صياغة سياسة ائتمانية جديدة توازن بين متطلبات استقرار القطاع المالي عبر السيطرة على التضخم وضبط العجز، وبين تمكين القطاع الخاص من الحصول على تمويل كافٍ بشروط مستدامة، نظرًا لدوره الحيوي كمحرك رئيسي للتشغيل والنمو الاقتصادي.